بورصة بدائل أم خيارات صعبة
مأمون كيوان ..
يسوق الإسرائيليون رزمة أكاذيب، حيث يزعمون أن المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية أكدت أن الفلسطينيين غير مستعدين في الوقت الحالي لتسوية أيديولوجية ذات أبعاد تاريخية من شأنها أن تضع نهاية للصراع
وجد الإسرائيليون في نعي الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب لحل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية، فرصة ذهبية لاستحضار مخططات ومشاريع تسوية، تعبر عن فلسفة وخيارات السلام في التفكير السياسي الإسرائيلي، ومنها سبعة خيارات نظرية حول وضع الفلسطينيين في إسرائيل، هي التالية: خيار استمرار «الوضع القائم» (الستاتيكو)؛ خيار التحسين الأقصى في إطار الصهيونية، ويعنى هذا الخيار الاستجابة لكثير من المطالب الجماعية للأقلية العربية وتحسينا كبيرا لوضعها، لكن هذا التحسين سيتوقف عند منع انهيار الصهيونية كسمة أساسية للدولة؛ خيار التشدد ويتضمن تقليص الحقوق الفردية والجماعية لأبناء الأقلية الفلسطينية؛ خيار الانفصال /أو الترانسفير الذي يمكن أن يتخذ أحد الأشكال الثلاثة الآتية: فصل جغرافي أو بناء كيان سياسي مستقل في المناطق التي تشكل فيها الأقلية غالبية سكانية، أو فصل إلزامي أو متفق عليه يتم بموجبه تبادل سكاني «ترانسفير»؛ خيار الدولة الإسرائيلية الذي يسعى إلى فحص دلالات تحويل إسرائيل إلى دولة «قومية» مدنية؛ خيار الدولة الثنائية القومية داخل «الخط الأخضر»؛ والخيار السابع خيار الدولة الثنائية القومية على كامل مساحة إسرائيل/فلسطين الذي ينطلق من أن الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، أمر غير ممكن.
وشهدت مراكز بحث إسرائيلية نقاشات جدية في شأن البدائل المقترحة لحل الدولتين، شملت إقامة حكم ذاتي فلسطيني داخل إسرائيل، أو إقامة كونفيدرالية فلسطينية - إسرائيلية، أو إقامة كونفيدرالية فلسطينية - أردنية، أو إقامة كيان فلسطيني داخل دولة إسرائيل يجري فيه تبادل سكاني، وضم الكتل الاستيطانية والسكان الفلسطينيين الذين يعيشون في نطاقها.
وطرح خيار الكونفيدرالية الأردنية - الفلسطينية، ويقضي بنقل السيادة على التجمعات السكانية الفلسطينية إلى حكومة مشتركة أردنية - فلسطينية. واقترح حزب «إسرائيل بيتنا» حلا يقوم على مقايضة فلسطينيي الداخل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بالمستوطنين.
وثمة اقتراح ضم المستوطنات والمنطقة «ج» التي تشكل 60% من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وإبقاء السلطة الفلسطينية على التجمعات السكانية الفلسطينية التي تشكل 40% من مساحة الضفة الغربية. واقتراح ضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية ومعها السكان الفلسطينيين الواقعين في نطاق هذه الكتل وعددهم 90 ألفا، ومنحهم الجنسية الإسرائيلية.
ومؤخرا، اقترح نتانياهو ما أسماه «دولة ناقص»، أي كيان فلسطيني يقام على نحو نصف مساحة الضفة الغربية، من دون القدس، تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
واستحضر مشروع التسوية الكونفيدرالية التي تشمل: إسرائيل والأردن وفلسطين وتكون عاصمة الكونفيدرالية مدينة القدس التي بين الأسوار، حيث ستكون السيادة فيها «إلهية» وللكونفيدرالية في آن واحد. وتكون لكل مواطن في الكونفيدرالية جنسية مزدوجة، بحيث يكون حق الإقامة في مجال الكونفيدرالية متبادلا أي أنه مثلما يقيم عرب في الدولة اليهودية، كذلك من حق اليهود الإقامة في الدولة العربية.
وفي نطاق الكونفيدرالية، تتم تسوية مشكلة اللاجئين، سواء أكان ذلك عن طريق منح تعويضات شخصية أم عن طريق مساعدات اقتصادية من إسرائيل للدولة الفلسطينية «كما فعلت ألمانيا الغربية، لقسمها الشرقي بعد التوحيد».
وفيما يتعلق بحق العودة يتوفر «حق الإقامة» تحت «كنف» الكونفيدرالية الإقليمية، وهو حق مرهون بالطبع بالتطوير الاقتصادي. أي «السلام الاقتصادي» الذي لا يشكل بديلا من «سلام سياسي» مع الفلسطينيين وعموم العرب.
ويتم التذكير بخطة الانفصال الأحادية الجانب عن غزة «في سنة 2005»؛ وخطة الانطواء أو «خطة التجميع» التي عرضها رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، وشملت انفصالا أحاديا عن معظم أراضي الضفة الغربية.
وللبرهنة على توافر نوايا جدية للسلام، يتم الاستناد إلى زعم مفاده حدوث تغيير في عقلية رؤساء الحكومات الإسرائيلية، فيقال إن إسحاق شامير لم يعط أي إشارة إلى أنه سيذهب إلى مؤتمر مدريد؛ وهل كان أحد يتصوّر أن يوافق بنيامين نتانياهو «خلال ولايته الأولى في رئاسة الحكومة بين السنوات -1996 1999» على اتفاقيات «واي ريفر» أو أن يعيد أجزاء من مدينة الخليل إلى الفلسطينيين؟؛ وهل كان متوقعا أن يصل إيهود باراك إلى مرحلة يبدي استعداده فيها لتقسيم القدس؟.
ويتم تجاهل سعي عموم زعماء إسرائيل، ومنهم: أريئيل شارون، وإيهود أولمرت، وبنيامين نتانياهو، إلى بناء سيرهم و»أمجادهم» على تشجيع الاستعمار الصهيوني والعدوان العنيف في محاولة لتحقيق «الإبادة السياسية» (politicide) للفلسطينيين، حسب تعبير عالم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيمرلينغ.
وخلال السنوات الأخيرة، غيّر هؤلاء القادة لغتهم، وليس بالضرورة أفعالهم دائما.
وعلى سبيل المثال، خلال سنوات حكم أولمرت كرئيس للحكومة، 2006 ـ 2009، سعى إلى التفاوض مع السلطة الفلسطينية على حلّ الدولتين، وفي لحظة من صراحة نادرة أعلن: «إن إقامة دولة فلسطينية هي مصلحة إسرائيلية حيوية... والفشل في التوصل إلى حلّ سلمي وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة قد يجرّ إسرائيل إلى صراع أبرتهايد على طريقة جنوب إفريقيا... مثل هذا السيناريو، سيعني أن دولة إسرائيل قد انتهت».
وحوّل أريئيل شارون، نواياه إلى فعل ملموس، بواسطة قيادة انسحاب عسكري من طرف واحد، وبإخلاء خمس وعشرين مستوطنة في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية.
ويسوق الإسرائيليون رزمة أكاذيب، حيث يزعمون أن المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية أكدت أن الفلسطينيين غير مستعدين في الوقت الحالي لتسوية أيديولوجية ذات أبعاد تاريخية من شأنها أن تضع نهاية للصراع. وأن المستوطنات، لا تُعدّ السبب الواقف وراء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، أو وراء انعدام الحل السلمي لهذا النزاع، لأنها لم تكن موجودة قبل العام 1967.ً
عموما، يعكس وجود ثالوث: ضم؛ انفصال؛ وترانسفير، في عموم محطات اللغو الإسرائيلي حول السلام، محاولات حثيثة للتغطية وإنكار وجود حالة شلل سياسي، وعدم قدرة النخب الإسرائيلية على تبني أحد الخيارين التاليين: خيار وحدانية «الشعب اليهودي»، وخيار تكامل «أرض إسرائيل»، بشكل صريح وحاسم، يعمق أزمة إسرائيل ويبقيها دولة في طور التكوين، رغم مرور نحو سبعة عقود على الإعلان عن قيامها.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/02/23