تراجع الطلب المحلي على النفط
سعود بن هاشم جليدان ..
شهد الطلب على النفط الخام ومنتجاته في المملكة نموا مطردا خلال العقود الخمسة الماضية، وتخللت فترات النمو الطويلة بعض السنوات التي تراجع فيها الطلب بسبب تراجع الناتج المحلي والإنفاق الحكومي المحكوم بأسعار النفط. كانت فترة النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي من أصعب الفترات على الاقتصاد السعودي، حيث تراجع الطلب المحلي على النفط لفترة خمس سنوات ممتدة من عام 1985 إلى 1989. بعد ذلك عاود الطلب على النفط الصعود خلال السنوات التالية حتى عام 2015، باستثناء عام 1995. وصل الطلب المحلي على النفط قمته في عام 2015 حينما بلغ 927 مليون برميل أو ما يعادل 2.54 مليون برميل يوميا، كما تفيد به بيانات منتدى الطاقة العالمي. شهد عام 2016 أول تراجع في معدل استهلاك المملكة من النفط الخام ومنتجاته منذ عام 1995، حيث انخفض معدل الاستهلاك اليومي بنسبة 3.7 في المائة. وصل إجمالي الاستهلاك السنوي من النفط الخام ومنتجاته إلى نحو 892 مليون برميل أو نحو 2.438 مليون برميل يوميا خلال العام الماضي.
تباينت تغيرات مستويات استهلاك منتجات النفط في عام 2016، حيث ارتفع بعضها وتراجع البعض الآخر. ارتفع استهلاك غاز البترول السائل بنسبة 11.2 في المائة في عام 2016، حيث وصل إلى نحو 18 مليون برميل، كما ارتفع استهلاك بنزين السيارات والطائرات ولكن بنسبة ضئيلة بلغت 0.4 في المائة. ولا تفرق بيانات منتدى الطاقة بين استهلاك الطائرات والسيارات ولكن على الأرجح أن معظم استهلاك البنزين يكون في السيارات، ولهذا يبدو أن زيادة أسعار البنزين بنسبة 50 في المائة قد أسهمت في الحد من نمو معدلات نمو استهلاك البنزين ولكنها لم توقفه. ارتفع في الوقت نفسه معدل استهلاك الكيروسين بأكثر من 9 في المائة ما يشير إلى نمو قوي في قطاع الطيران وعدم تأثره بزيادة الأسعار. في المقابل نرى أن هناك تراجعا قويا في استهلاك أكبر منتج وهو الديزل، وبنسبة تزيد على 9 في المائة خلال عام 2016، وهذا مؤشر على تراجع واضح في نشاط القطاعات المعتمدة على استهلاك الديزل التي من بينها قطاعات النقل وقطاع الإنشاءات والصناعات الإنشائية. وقد يكون تراجع استهلاك الديزل مؤشرا على تراجع نشاط القطاع الخاص بشكل إجمالي.
تراجع الطلب بقوة على المنتجات الأخرى التي يشكل النفط الخام معظمها، حيث انخفض بنحو 39 مليون برميل في عام 2016، أو بنسبة 16.2 عن العام السابق. في المقابل ارتفع استهلاك زيت الوقود بقوة خلال عام 2016 حيث زاد بنحو 26 مليون برميل ما يمثل نسبة نمو تصل إلى نحو 18 في المائة عن مستويات 2015.
يستخدم النفط الخام وزيت الوقود في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه بشكل رئيس ويبدو أن هذين المنتجين يعوض بعضهما بعضا في إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة. تراجع مجموع استهلاك هذين المنتجين يشير إلى تراجع استخدامهما في إنتاج الكهرباء. يرجح التراجع إمكانية تحول منتجي الكهرباء والمياه إلى استخدام مزيد من الغاز الطبيعي بدلا من الزيت الخام وزيت الوقود لخفض تكاليف إنتاج الكهرباء. لا توجد أي بيانات عن إجمالي إنتاج الكهرباء في عام 2016 ولكن يبدو أنه لم يشهد نموا يذكر وربما يكون قد تراجع بعض الشيء.
إن تراجع الطلب الكلي المحلي على النفط ومنتجات الطاقة خلال عام 2016 مؤشر على تراجع أنشطة القطاع غير النفطي بشكل إجمالي، حيث يتأثر استهلاك الطاقة بمعدلات النمو الاقتصادي أكثر من تأثره بالأسعار خصوصا في الأمد القريب. تم رفع أسعار منتجات الطاقة العام الماضي، وقد تأثرت مستويات الاستهلاك بهذا الرفع ولكن بدرجة أقل من تأثرها بتباطؤ الاقتصاد، فقد نما الطلب على منتجات الطاقة الاستهلاكية كالبنزين وغاز البترول السائل، بينما تراجع استهلاك الديزل المستخدم في إنتاج السلع والخدمات بشكل أكبر. من جهة أخرى نما استهلاك الكيروسين بقوة بسبب تركز استخدامه في قطاع الطيران، ما يشير إلى نمو هذا القطاع بقوة وحاجته إلى مزيد من التوسع. يتطلب تأثير رفع أسعار منتجات الطاقة في حجم الاستهلاك وقتا طويلا نظرا لحاجة المستهلكين إلى بعض الوقت لضخ الاستثمارات اللازمة لخفض معدلات استهلاك الطاقة، لهذا ينبغي أن يُعطى المستهلكون الدعم والوقت الكافي للحد من تأثير صدمات رفع الأسعار وخفض خسائرهم الناتجة عن تعديل أسعار الطاقة.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/02/26