آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الرحمن الطريري
عن الكاتب :
أستاذ في جامعة الملك سعود وكاتب مقال في جريدة الإقتصادية

الإدارة الناجحة خصائص لا مظاهر

 

د. عبدالرحمن الطريري ..

استرعى انتباهي، منذ فترة ليست بالقصيرة، سلوك وتصرف بعض المديرين، سواء مع مرؤوسيهم، أو مع المستفيدين من إداراتهم، أو الجهة التي يديرونها، ويتفاوت المديرون، فالبعض يعنى عناية فائقة بمظهره الخارجي، ويبالغ في هذا الأمر حتى يخيل إليك أنه يمضي وقتا طويلا في ترتيب شعره، وملابسه، وهيئته العامة، وهذا شيء جميل يحمد عليه مثل هؤلاء، إذ لا يليق بالمرء أن يهمل هذا الشيء، طالما أنه يقدر عليه مالا، ووقتا.

 

في المقابل يوجد مديرون يهملون مظهرهم، ولا يقيمون له أي اعتبار، حتى يخيل لمن يراهم أنهم من ذوي الدخل المحدود جدا.

 

العناية بالمظهر لا تتوقف عند المظهر الشخصي، بل يمتد الأمر إلى المكتب، وأثاثه، من حيث سعة المكان، وأناقته، وفخامة الأثاث من طاولة، وكراسي بألوان جميلة، ومن إنتاج أشهر مصانع الأثاث المكتبي في العالم، إضافة إلى الزخرفة، والرسومات والستائر والنباتات والزهور التي تنتشر في زوايا المكتب، وعلى جدرانه. لا أبالغ إن قلت إن تكلفة بعض المكاتب في بعض الإدارات تفوق ما يصرف على بعض المشاريع، أو البرامج التي أوجدت من أجلها الإدارة، وفي هذه الحالة يتحتم السؤال: هل ميزانية الإدارة لتأثيث مكتب مدير المصلحة، أم للقيام بالمهمات الموكلة بها، التي يعم نفعها الناس، وتسهم في تنمية الوطن تنمية حقيقية، وتعالج قضاياه، وتسهم في تشكيل أبنائه بالشكل اللائق، حتى يتمكنوا من خدمته؟

 

كما أن المظهر يتضمن حاشية الموظفين الذين يعملون معه، ويحيطون به، ويرافقونه في تحركاته، ويظهرون بجانبه، وهو يتجول في الإدارة، أو يفتتح مشروعا، أو يوقع عقودا، بل إن المظهر الخارجي جعل من البشت ـــ في مرحلة سابقة ــــ أساسا جوهريا لا بد لمن يشغل منصبا أن يتوشحه، وهو على كرسي العمل، وقد رأيت كثيرا منهم على هذه الحال في بعض الوزارات، وحتى في الجامعات، مع ما يترتب على ذلك من إعاقة في أداء العمل، والرد على المكالمات، والقيام لتحية المراجعين، وبالأخص من لهم الحق في ذلك.

 

السؤال بشأن المظهر الخارجي، وأهميته للبعض يتمثل في: لماذا هذه العناية؟ وماذا يعني لهؤلاء؟ كما سبق القول الاهتمام بالمظهر الحسن أمر مطلوب، فديننا أمر بالنظافة، والتجمل بأحسن اللباس، إلا أن البعض ربما يعتقد أن المظهر يكسبه قوة أمام موظفيه، وأمام من يتعامل معهم من خارج الإدارة، فالشعور بالضعف الداخلي، وعدم الأهلية للقيادة، وافتقاد خصائص المدير الجيد تجعله يكمل النقص الذي لديه بمظهره الشخصي، ومكتبه، وأثاثه الفخم.

 

خصائص القيادي، والإداري الناجح مزيج من عوامل وراثية، وأخرى مكتسبه تتشكل من خلال المواقف والخبرات التي يمر بها الفرد، إضافة إلى الدورات، وورش العمل التي يلتحق بها.

 

ما من شك أن المظهر الخارجي له أثره في النفس، كما أن "ميكانزم" التعويض حالة نفسية أودعها الله لدى البشر يعوضون به، ومن خلاله، ما يعتقدونه قصورا، أو ضعفا لديهم، بحيث يكون التعويض بأمور أخرى يمكنهم القيام بها، وتؤدي دورا، ولو كان مؤقتا لدى البعض يرفع الحرج عن المسؤول الذي تنقصه الحجة، أو القدرة على الحوار المقنع، أو يتردد في اتخاذ القرار المناسب، أو عدم الإلمام بالأنظمة.

 

الإمام أبو حنيفة كان له موقف، حيث انخدع في مظهر رجل دخل عليه المسجد، وطلابه متحلقون حوله، وكان مادا رجله لألم فيها، إلا أنه ما إن رأى الرجل، ذا الهالة، حتى سارع في سحب رجله، احتراما، وتوقيرا، وأخذ الرجل مكانه بين الطلاب، وواصل أبو حنيفة الدرس، وحتى يظهر الرجل فهمه، ومتابعته للإمام سأل سؤالا وجد فيه أبو حنيفة غباء، لا يتناسب مع ما كان يعتقده فيه من مظهره الذي انخدع به، حتى قال مقولته المشهورة لقد آن لأبي حنيفة أن يمد رجله الآن، في إشارة إلى إدراكه أن مظهر الرجل لا يعبر عن مخبره، ومعرفته، وطريقة تفكيره.

 

هذه القصة، والعبارة المترتبة عليها صارت مما يتداوله الناس للتمثيل بها على البون الشاسع بين المظهر، والمخبر، وحالة الخداع التي يقع فيها الناس، نتيجة ما يجدونه في مظاهر الآخرين، ولو تأملنا في سلوك بعض الإداريين الذين يعنون بمظهرهم لربما وجدنا أن أداءهم الإداري سيئ، لا من حيث التنظيم، ولا التعامل، ولا الإنجاز ما يؤكد لجوءهم لتعويض قصورهم الإداري بما يضيفونه على مظهرهم من قشور لا تظهر نتائجها في أدائهم الإداري، حتى إن أدت بعض النتائج، فما يلبث صاحبها أن ينكشف على حقيقته.

 

جريدة الاقتصادية

أضيف بتاريخ :2017/03/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد