أدب التخطيط وبروتوكولات الاحتساب
طلال الجديبي ..
سأسعد لو شاهدت شابا يحتفل بعد انتهائه من جلسة التخطيط الشخصية الأولى له، أمر كهذا يستحق الدعم والتشجيع. لا يوجد ما يمنع من أن يشارك أصدقاءه ومحبيه هذا الحدث، والمسؤولية حينها ستكون أكبر على الرغم من أن مصداقيته قد تتأثر إن أخفق. ولكن أن تقوم منظمة عريقة تملك سجلا عريضا مليئا بالتجارب والإنجازات بالاحتفال والتعبير عن الفرحة لأن مسؤوليها عقدوا النية وأبدوا الرغبة وشرعوا في العمل، فهذا أمر يثير الاستغراب. الإيجابية مطلب، ولكن حجر الأساس الذي يحتفلون به لا يمثل إلا مجرد حجر في مسيرة العمل. ربما في السابق كانت أحجار الأساس قليلة وتستحق لفت الانتباه، ولكن ليس اليوم. الدعم والتحفيز الجماعي مهم، ولكن التأييد الحقيقي ينتج عن الإنجازات الواقعية وليس التوقعات المستقبلية. إدارة التواصل مع الأطراف الداخلية والخارجية أمر محوري أثناء إدارة التغيير، لكنه لا يقتصر على ما يحدث في حفلات التدشين وإطلاق وعقد المؤتمرات الافتتاحية. مرت سنوات طويلة على ظاهرة "قص الشريط" افتتاحا ـــ وليس ختاما ــــ ولا تزال حتى اليوم هذه التناقضات موجودة. لا يمكن لثقافة الأداء التي تقوم على التخطيط الفعال والقياس المقنن والاحتساب المعلن أن تستمر في هذه السلوكيات السلبية. لا تنتهي أخبار احتفالات التدشين والتوقيع، ومنها خبران مرا عليّ الأسبوع الفائت. الأول يمثل احتفال هيئة الرياضة بتطوير نوعي في الإدارة الأولمبية. تم عرض الحدث كمناسبة تاريخية تشمل تدشين الهوية الجديدة للجنة الأولمبية وإطلاق برنامج لدعم الرياضيين الأفراد المرشحين للبطولات. يستحق الرياضيون الدعم وكلنا نبحث عن الأفكار والممارسات الجديدة والمبتكرة في التمكين والتشجيع، ولكن في نظري يظل العمل حتى حينه مجرد تخطيط وإعلان للأهداف خلال الفترة المقبلة؛ لم يحن موعد الاحتفال بعد. الخبر الثاني يخص وزارة التعليم، التي احتفلت على العلن بتوقيع تدشين مشروع التحول نحو التعليم الرقمي، مرة أخرى، خطوة جميلة ولكن لا تستحق الاحتفال. لماذا لا تستحق الاحتفال؟ لأن المراقب لأخبار وزارة التعليم يجدها تتحدث عن استخدام التقنية منذ أكثر من عشر سنوات، من مبادرات تطوير التعليم وحتى إعلان انتهاء عصر المناهج الورقية قبل أكثر من سنتين، ولا نزال حتى اليوم نحتفل بعقد نية التنفيذ المستقبلي. ما أقترحه باختصار أن يكون هناك تحول جذري في آلية الإعلان عن الخطط، ربما تتعلم الجهات الإعلان عن أهدافها في تقارير منضبطة، تطرح فيها دون احتفالات ما تنوي العمل عليه بجدية، تتبعها بتقارير مسؤولة تبرز فيها شخصيتها الجادة. تقارير الأداء ليست تحديا صعبا إلا لمن يخاف منها جهلا أو يتجنبها بمعرفته. نحن نتحدث عن تقارير أداء دورية تفصح فيها الجهة عما تحقق، وتعترف فيها بما عجزت عن تحقيقه إضافة إلى الدروس المكتسبة من التجربة والتعديلات المحتملة تبعا لأي فهم جديد. القيام بهذا الأمر سيدفع حتى المتابعة الإعلامية نحو التقدم بالتحول من متابعة التصريحات إلى قراءة التقارير، ومن التصوير بالكاميرات إلى وضع التصورات. التخطيط عند أي مؤسسة عمل جدي يعني البدء الفعلي في البحث عن تحقيق النتائج، وليس تفضلا على المجتمع بأفكار خلابة يبحث فيها المسؤول عن التصفيق. ترتبط المؤسسات بأنواعها بضوابط وعلاقات محوكمة مع عدد من الأطراف الداخلية والخارجية، ولا يُتوقع أن تبحث كيانات منضبطة تعمل بشكل جدي على التشجيع أو الدعم المعنوي قبل الأداء الفعلي، بل هي التي تدير عملية التغيير والتأثير والأداء، ومسؤولوها مكلفون بالقيام بالمطلوب بصفة جدية لا تقبل الهزل ولا ترضى بالعشوائية. لا تضيف احتفالات التدشين الشيء الكثير إلى منظومة مراقبة ومساءلة الجهات التي تخضع للمساءلة العامة، بل على العكس تماما، هي عامل تشويش وأداة تخريب لنموذج الاحتساب الذي يصنع التفاعل المجتمعي الإيجابي المنتظر. تعمل نماذج الاحتساب بأكثر من طريقة، ولكن شرطها الأول هو التواصل المستمر والشفافية الحقيقية. من شروط الشفافية جودة المعلومات المعلنة وتوقيت إعلانها. ما نجده هو طرح لمعلومات غير مهمة في وقت مبكر وغياب للمعلومة المهمة في الوقت الملائم. مراجعة عينة من المواقع الإلكترونية لهذه الجهات ومقارنة تاريخ آخر تقرير منشور يثبت ذلك، مع أن هذه الجهات نفسها لا تغيب عن المشهد العام بالاحتفالات المستمرة. وللحديث بقية.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/03/31