250 أرضا تكشف حقيقة مشكلة العقار وحلول «الإسكان»
د. محمد آل عباس ..
250 أرضا فقط، في مدنية الرياض وحدها، داخل النطاق العمراني، تحتكر 100 مليون متر مربع، وبشهادة وزارة الإسكان. 250 أرضا تحتكر مساحة كافية لعدد أكثر من 250 ألف أرض بمساحات قد تصل إلى 400 متر مربع تكفي لـ 250 ألف أسرة. هل هناك دليل على مشكلة الإسكان ومشكلة العقار في المملكة أوضح من هذا؟ 250 ألف أرض ممنوعة من الناس ومن الإسكان، محتكرة تحت صكوك لـ 250 أرضا فقط، أي أن كل أرض منها تحتكر في نطاقها ألفا. وإن تعجب فزد عجبا إذا علمت أن هذه هي الدفعة الأولى فقط وهناك غيرها مما ستكشف عنه الوزارة، ضمن فواتير الأراضي البيضاء. هذا هو صلب المشكلة التي تحدثت عنها منذ سنوات وحذرت منها منذ انهيار سوق الأسهم، نحن أمام مشكلة هائلة فعلا ولن تحل ببساطة، ولن يفيد معها التمويل العقاري، ولن ينفع معها شراء القروض العقارية. نحن نعالج اليد المشلولة ولم نعالج الجلطة في الدماغ التي سببت الشلل الأساسي. يا له من رقم ويا لها من معلومات، فحتى الآن لم تعلن الوزارة عن الدمام وعن جدة وعن باقي مناطق المملكة، ولم تعلن سوى عن الأراضي التي مساحاتها عشرة آلاف متر مربع وأكثر، أي أننا لم نصل حتى الآن إلى قاع المشكلة، ولم نقدر بعد حجم الاحتكارات. لن أسأل كيف وصلنا إلى هذه المرحلة، ولكن السؤال فعلا، هل كانت كل هذه المعلومات متوافرة لصناع القرار سواء في وزارة العدل أو في التجارة أو في هيئة الإسكان سابقا والآن وزارة الإسكان؟ هل كان صندوق التنمية العقارية يعي هذه المعلومات قبل أن يقرر تحويل المواطنين إلى البنوك، أو حتى يرفع قيمة التمويل إلى 500 ألف؟ هل الشؤون البلدية والقروية كانت تدرك هذه المعلومات وهي تخطط المدن، وتوزع الخدمات، وتترك هذه المساحات الضخمة بيد من هي بيده الآن؟ لقد كانت كل معطيات الأمر تدل على أن مشكلة العقار في المملكة ومشكلة الإسكان تقع في نقطة واحدة فقط وهي الاحتكار وفقا لنموذج القلة وهو احكتار صرف خطير غير تنافسي، كان يجب تشخيص المشكلة بدقة منذ البداية منذ انهارت سوق الأسهم وبدأ الجميع ـــ من هب ودب ـــ يروج للعقار، وأنه الابن البار. نعم ابن بار للمحتكرين فقط، جلاد لغيرهم. ارتفعت الأسعار بشكل يفوق التصور، ورغم وضوح الاتجاه ـــ في علم الاقتصاد ـــ وأن هناك مؤشرات صريحة الدلالة على وجود احتكارات، إلا أن العلاج جاء وكانت المشكلة في نقص السيولة الاستثمارية لدى فئات الشعب، فاندفعت البنوك في جنون عارم تتخطى كل حدود التمويل المدروس لتضخ مليارات من أموال المودعين انتهت إلى رفع أسعار العقار، وبالتالي في تنمية ثروات محتكرين، وبقيت الحال كما هي الأراضي المحتكرة كما هي شح في التمويل وشح في الأراضي المطورة والجميع يراقب الجميع. كما قلت من قبل فإن أروع وأعقد وأكثر رعب في علم الاقتصاد أنه لا يجامل ولا يحابي ولا يرحم أحدا، آلة صماء، لا تعرف سياسة ولا تقدر فن الممكن، كل المشاكل الاجتماعية تجد جذورا لها في الاقتصاد، كل مشاكل السياسة والقوة وتوزيع السلطة جذورها اقتصاد، كل الصناعة والابتكار والعلوم لا شيء بلا علم الاقتصاد، فكيف تم تجاهله في موضوع الإسكان بهذه الطريقة؟ وكيف تخلينا عن تحليلات الاقتصاديين وأنبائهم وذهبنا شرقا وغربا في حل مشكلة نظر لها أفلاطون وأرسطو وجادل فيها سقراط، منذ عهد الإغريق، وحاربها الرومان وجرمتها العرب في أشعارها وجاء حكمها قاطعا بالتحريم في الإسلام؟ الاحتكار ضرر بالغ، وكلما زادت الأسعار زاد حجم الثروة وزاد حب الاحتكار ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. ولست هنا أنظر لمخاطر الاحتكار فيكفي كتاب بسيط في الفقه أو الفلسفة أو أي علم شئت لتدرك خطورته، لكني أستغرب وأرفع صوتا كيف تم تجاهل هذا الوضع حتى أصبح بكل هذه الخطورة؟ ثم كيف تأتي وزارة الإسكان لتقدم حلولا لا محل لها من الإعراب؟ فكيف أن تمويل القروض البنكية والأرض غير موجودة؟ وكيف للتمويل أن يغلي صكوكا لـ 250 أرضا تعادل 250 ألف أرض، أو نزعها من أصحابها؟ إني أنبه كما نبهت في مقالات عديدة من قبل كان أولها مقال "فخ العقار"، الحل هو في تفتيت الاحتكارات بأي ثمن، وأن ندفع الثمن الآن، مهما كان غاليا، أفضل بكثير من أن ندفعه غدا، لأننا سندفعه حتما. ولأن التكلفة ستزداد أكثر كلما تأخرنا ومر الزمن، ولأن الأجيال القادمة لن تسامح هذا الجيل على هذه الأخطاء إن هي حدثت. يجب التوقف عن ضخ النقد في العقار، فلا معنى لهذا، لن يكون إلا مجرد تنمية ثروات البنوك واحتكارات العقاريين ولن نحصل مع مرور الزمن للملايين من المواطنين إلا على شقق صغيرة بمبالغ ضخمة تعادل كلها في قيمة أرض ضخمة لكنها بيد الاحتكار، معادلة ستكون مريرة جدا وأقولها بكل أسف.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/04/01