«المرور» بين «الاستهداف»... و«الاستنزاف»
هاني الفردان ..
يثار حالياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شكاوى كثيرة عن تفاجئهم أو اكتشاف بعض الناس عن «مديونيتهم» للإدارة العامة للمرور نتيجة المخالفات المسجّلة أو المتراكمة عليهم، تخطّت مبالغ يرونها خيالية، قال البعض إنها بلغت 3 آلاف دينار، فيما اكتشف البعض أنه مُطالبٌ من قبل الإدارة العامة للمرور بمئات الدنانير نظير مخالفات هو لا يعلم عنها شيئاً.
المدير العام للإدارة العامة للمرور العقيد الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة أكّد أن الإدارة مقبلةٌ على مرحلة جديدة من تعزيز المنظومة المرورية في البلاد وتطويرها، وقال إنه لا نية لرفع رسوم المخالفات، وأن رجال المرور يطبّقون الحد الأدنى!
مدير إدارة المرور تحدّث عن انخفاض المخالفات المرورية بمقدار الربع، فأصبحت تتراوح بين 12 ألف مخالفة و15 ألف في اليوم الواحد، بعدما كانت تصل إلى 20 ألف مخالفة في أيام عطل نهاية الأسبوع، واليوم لا تتجاوز مخالفات تجاوز السرعة المقرّرة للشارع 4 آلاف مخالفة في اليوم.
بحسب الجدول المنشور على موقع الإدارة العامة للمرور، فإنه يوجد 72 مخالفة مرورية «بسيطة» تتراوح قيمتها المالية ما بين 20 إلى 50 ديناراً (بينها مخالفة واحدة تصل قيمتها إلى 200 دينار وهي تشويه أو طمس أو تغيير بيانات لوحات أرقام التسجيل أو الفحص)، فيما توجد 13 مخالفة تحال إلى المحكمة بوصفها مخالفات «جسيمة».
بحسبة بسيطة، لو أخذنا متوسط قيمة المخالفات المرورية البسيطة فقط وهو 30 ديناراً، مع وجود 15 ألف مخالفة يومياً، لوجدنا أن إيرادات الإدارة العامة للمرور من تلك المخالفات يومياً سيتراوح ما بين 450 ألف دينار إلى 500 ألف دينار يومياً، وفعلياً قد يتجاوز نصف مليون دينار، وخلال شهر واحد قد يصل إلى 15 مليون دينار، وخلال عام كامل قد يتجاوز 120 مليون دينار، مع الأخذ في الاعتبار أن العملية الحسابية تقريبية وغير دقيقة، ومع وجود مخالفات أخرى، ومتأخرات وغيرها.
أعلم أننا أخذنا في حسابنا على ظاهر الأرقام وما هو متوافر لدينا، وقد لا تعكس تلك الأرقام الحقيقة الفعلية لإيرادات الإدارة العامة للمرور، إذا ما علمنا أنه وبحسب الحساب الختامي الموحد للدولة للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2015، فإن الإيرادات الفعلية لوزارة الداخلية بشكل عام بلغت 47 مليون و605 آلاف و690 ديناراً، وهو ما يعني وجود حلقة مفقودة في طريقة احتساب إيرادات الإدارة العامة للمرور من المخالفات، أو أن هناك ما لا أحد يعرفه.
ومع ذلك، فهناك سخط من الشارع العام، بشأن ما يعتقده الناس بأن هناك «مبالغات» في فرض المخالفات المرورية والمبالغ المالية، حتى اضطر المدير العام للإدارة العامة للمرور للتأكيد في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء البحرين (بنا) على أن «جميع المخالفات في القانون الجديد تتضمن حداً أدنى وحداً أقصى، بما يتناسب ونوع المخالفة، وأن الإدارة العامة للمرور لاتزال تطبّق الحد الأدنى ولا توجّه إلى تعديل الرسوم حالياً، وأن الإدارة العامة للمرور لا تستهدف أموال المخالفين، ولكن لابد من وضع ضوابط لاستخدام الطريق، والأجدى بهم أن يعيدوا النظر قبل القيام بأي مخالفة أو تجاوز».
تمنياتي أن نشهد في مرحلة جديدة من تعزيز المنظومة المرورية في البلاد وتطويرها، التي أعلن عنها حديثاً ما هو يتطابق مع ذلك الفيلم التوعوي الجميل للإدارة، والذي يشكرون عليه، حيث كان دور رجل المرور دوراً توعوياً وناصحاً لمستخدمي الطريق، وبأسلوبٍ راقٍ وحضاري، يوصل رسالته السامية في الحفاظ على أرواح الناس بعيداً عن «دفتر المخالفات».
نعلم أن القضية شائكة بين فلسفتي التشديد والحفاظ على أرواح مستخدمي الطريق، عبر تغليظ القوانين والغرامات، وبين التوعية والتثقيف والنصيحة، هذا التشابك بين الفلسفتين يحتاج إلى تعزيز مفهوم الثقة بين الجانبين، ولن يكون ذلك إلا من خلال تلمس ذلك الدور من قبل المواطنين والمقيمين.
الحقيقة والواقع، فإن جل العامة من مستخدمي الطريق، يتلمسون الجانب السلبي الذي تنفيه الإدارة العامة، وهو استهداف جيوبهم، واستنزاف أموالهم عبر التشديد في فرض المخالفات، فيما لا يرون على أرض الواقع الجانب الآخر من التوعية والنصيحة، لقلتها أو ندرتها.
يعتقد بعض المسئولين أن الإدارة العامة للمرور «مستهدفة» عبر حملات «تشويه»، لا تعكس الحقيقة دورها وعملها في الحفاظ على سلامة مستخدمي الطريق، والتقليل من الحوادث، وخفض نسب الوفيات، والحد من الاختناقات والتجاوزات، فيما يعتقد العامة من الناس أن الإدارة العامة للمرور تسعى إلى «استنزاف» أموالهم في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وحالة الاختناق المالي الذي تعيشه البلاد، وسياسات التقشف، وضيق الحال.
ما نفتقده في جلّ حياتنا العامة، بين عامة الناس والمؤسسات الرسمية في الدولة، هو غياب مفهوم الأخذ بمبدأ «حسن النية» من الطرفين، فالإدارة العامة للمرور تتعامل مع قانون وكاميرات ومخالفات، فيما يعتقد الناس أنهم مستهدفون في أموالهم، ومتربَصٌ بهم في الطريق.
ما يحتاجه الطرفان في الوقت الراهن مبادرات حسن نوايا، فمن جانب الإدارة التخفيف من التشديد والصرامة، مع تغليب الجانب التوعوي والنصيحة، وإعلام المخالفين بمخالفاتهم في ذات الوقت كشرط أساسي ليكونوا على علم بذلك؛ وعلى الناس في المقابل، التقيد بالقوانين والتقليل من مخالفاتهم، ومتابعة ذلك أولاً بأول حتى لا تتراكم عليهم الغرامات المالية ويصبحون عاجزين عن تسديدها لاحقاً.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/03