لاتخاذ اللازم نظاما
سطام المقرن ..
اللغة البيروقراطية المستخدمة في الجهات الحكومية قد تكون مناسبة في الماضي، ولكن في وقتنا الحاضر أصبحت مجرّد ألعوبة
في الجهات الحكومية مصطلحات لغوية خاصة، يجهل مصدرها الكثير من الموظفين في تلك الجهات، ولكنهم ألفوا التعامل معها وعرفوا مقاصدها ومدلولاتها في واقع العمل الحكومي، وفي المقابل نجد كثيرا من المواطنين والمراجعين لا يدركون أو يفهمون مضمون تلك المصطلحات المكتوبة في معاملاتهم وقضاياهم، فيذهب كثير من أصحاب تلك المعاملات وهي موقعة من الوزير أو الوكيل أو المدير ويظنون أن الموضوع قد حل أو أن المعاملة قد انتهت، وأن الموظفين لا يستطيعون أن يعصوا أمر أو قرار الوزير أو الرئيس الإداري، ولكنهم يفاجؤون بتعطيل معاملاتهم في نهاية المطاف، ويخيب ظنهم في أكثر الأحيان، وذلك لأن الموظف الحكومي يدرك عادة مضمون تلك العبارات التي كتبها الوزير أو الرئيس.
لخص أحد الباحثين في مجال الإدارة العامة بعض المصطلحات الحكومية السائدة في البيروقراطية، ومن ذلك على سبيل المثال عبارة «اتخاذ اللازم»، والتي لها عدة معان ومضامين، فقد يتفادى الوزير أو الرئيس الإداري الضغوط عليه وهو يدرك أن حل الموضوع بالصورة المطلوبة لا يتفق مع الأنظمة والقوانين، فيكتب هذه العبارة مجاملة فقط أو يكتب عبارة «اعتمدوا حسب النظام»، وقد تكتب هذه العبارة أيضا للتهرب من مسؤولية اتخاذ القرار عندما لا يجد الوزير أو الرئيس وقتا لقراءة التقارير أو المعاملات.
وهناك مصطلحات أخرى تختلف باختلاف حماس الوزير أو الرئيس، فإذا كان الحماس قليلا وليس هناك رغبة جادة بحل الموضوع فتستخدم عبارة «للدراسة والعرض» أو استخدام عبارة أخرى، مثل «للدراسة حسب الاختصاص»، أما إذا كان العكس من ذلك، وكان الحماس كبيرا فتستخدم العبارة التالية: «للدراسة بعناية والعرض علينا عاجلا»، وإذا كان الموضوع أكثر أهمية في الغالب فتتم كتابة توجيهات الرئيس أو الوزير بدقة عالية.
ومن المصطلحات الأخرى أيضا ما درج عليه الكثير من الموظفين في الجهات الحكومية في مخاطبة الرؤساء الإداريين حسب مناصبهم الوظيفية، وتختلف كذلك معها العبارات الترحيبية، فعلى سبيل المثال تكتب عبارة «معالي.... حفظه الله أو سلمه الله» أو عبارة «سعادة... الموقر أو المحترم»، وتتم كتابة هذه العبارات بعناية حسب درجة الصداقة والمحبة والمصالح المشتركة بين المسؤولين، وحتى المصطلحات التي تذيل بها أكثر الخطابات، مثل «وتقبلوا تحياتي»، وعبارة «وتقبلوا أطيب تحياتي وتقديري»، والتي تكتب حسب الدرجة الوظيفية للمسؤول الحكومي.
بالإضافة إلى ما سبق، يكتب بعض الموظفين في تقاريرهم وتوصياتهم للوزير أو الرئيس عبارة «والرأي الأنسب لمعاليكم أو لسعادتكم» أو عبارة «التوجيه بما ترونه مناسبا»، والمقصود بمثل هذه العبارات هي مجاملة الرئيس بأنه أكثر خبرة ومعرفة من الموظف معد التقرير، أو أنها قد تعني التهرّب من المسؤولية أيضا من قبل الموظف الحكومي، وخاصة إذا أدرك أن هذه النتائج أو التوصيات تم إملاؤها عليه من قبل الرؤساء أو المشرفين، وتكون هذه المقترحات غير قابلة للتطبيق أو لا تتوافق مع الأسس العلمية والمعايير المهنية.
العبارات أو المصطلحات الحكومية السابقة هي مجرد أمثلة فقط على السائد في الجهات الحكومية، والتي في الغالب تم عمل نموذج خاص بها في المعاملات والخطابات الواردة إلى تلك الجهات، وما على المسؤول سوى اختيار المصطلح المناسب والتأشير عليه فقط، ولكن الأدهى والأمر من ذلك هو مضمون اللغة التي تكتب بها الخطابات والتقارير الحكومية، والتي لا تختلف عن مضمون تلك العبارات والمصطلحات.
معظم خطابات وتقارير الجهات الحكومية عبارة عن مصطلحات وجمل إنشائية لا تسمن أو تغني من جوع، الهدف منها فقط إما تعظيم الإنجازات أو التبرير والدفاع عن قصورها وسوء أدائها، وهي في الحقيقة مجرّد تلاعب في الألفاظ والكلمات أو ما يسمى بالفذلكة اللغوية، وتكاد تكون اللغة البيروقراطية نموذجا موحدا في غالبية الجهات الحكومية، والسؤال المطروح هنا: ما مصدر تلك اللغة الحكومية السائدة؟.
رغم ندرة الدراسات والأبحاث في هذا المجال، إلا أنه في اعتقادي أن تلك اللغة البيروقراطية لها مصدر تاريخي، فقد كانت الإدارة الحكومية خلال مرحلة تأسيس المملكة في صورة قديمة وبسيطة، فكل منطقة كانت تدار عن طريق أمير يرتبط رأسا بالملك، وكان هناك القاضي ومأمور بيت المال، ومنذ ضم الحجاز كانت هناك إدارات مركزية حديثة في ذلك الوقت تمت الاستفادة منها، وكانت تلك الإدارات تستخدم لغة معينة في مخاطباتها وتقاريرها وقراراتها استمرت حتى يومنا هذا.
اللغة البيروقراطية الحالية المستخدمة في الجهات الحكومية قد تكون مناسبة في الماضي، ولكن في وقتنا الحاضر أصبحت مجرّد ألعوبة بيد بعض البيروقراطيين، وأصبحت لا تصلح إلا في التبرير، فهي لغة معقدة وغير مفهومة ومفرطة في الوصف والمبالغة، والجهات الحكومية اليوم بحاجة إلى لغة عربية سهلة ومفهومة ومباشرة، وتحتاج إلى صياغة دليل للتحرير العربي لكل جهة حكومية يتناسب مع مفاهيم الإدارة الحديثة في وقتنا الحاضر.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/04/04