القمة العربية والقرارات
يوسف مكي ..
لن يكون الحديث عن القمة العربية الأخيرة، التي عقدت في العاصمة الأردنية عمّان، وعن قراراتها دقيقاً، ما لم يوضع انعقاد هذه القمة، في إطار التحولات الإقليمية والدولية، والمتغيرات التي شهدتها الساحة العربية، منذ انطلق خريف الغضب العربي، قبل ست سنوات من هذا التاريخ.
فعلى الصعيد العالمي، يمكن القول إن هناك مرحلة فوضى سياسية غير مسبوقة. وهناك تراجعات في دول المركز، في الولايات المتحدة والقارة الأوروبية، عن مبادئ وشعارات، هيمنت على الموقف السياسي، منذ أكثر من خمسة عقود، خلاصتها أن العالم يتجه إلى مزيد من الاندماج الاقتصادي، وأن سمة القرن العشرين، وما يعقبه، أنه عصر تكتلات كبرى. وقد عبرت هذه الأطروحات عن ذاتها في مؤسسات ناظمة كالسوق الأوروبية المشتركة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمة العالمية للتجارة.
وبموجب هذه المبادئ والشعارات، ساد شعور عام بأن كوكبنا الأرضي في طريقه إلى التحوّل إلى قرية عالمية صغيرة. التحول الجديد، النقيض لتلك المبادئ والسياسات، بدأ بالتعبير عن نفسه، بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، التي برزت مقدماتها بأزمة الرهن العقاري، وتهديد اليونان والبرتغال وإسبانيا، بالطرد من الاتحاد الأوروبي، نتيجة تراكم مديونيات تلك البلدان، وبلوغ اقتصادها حافة الإفلاس. وجاء تصويت البرلمان البريطاني، بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ليدعم سياسة العزلة الجديدة. وليردفها قرارات جائرة، على مستوى القارة الأوروبية بحق المهاجرين الأجانب. وليتوّج ذلك بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانعزالية تجاه الكثير من القضايا.
وفوق ذلك كله، انعقدت القمة العربية، وسط حرائق تشتعل بضراوة في العراق وسورية وليبيا واليمن، وغياب اليقين في القدرة على معالجة الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لمعظم الدول العربية. يُضاف إلى ذلك عجز دولي وعربي فاضح عن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية. فكان لابد أن يكون لمجمل هذه القضايا حضورها وتأثيرها القوي، على قرارات القمة العربية الأخيرة.
ولذلك كان من الطبيعي أن يؤكّد البيان الختامي للقمة العربية، على حماية الوطن العربي من الأخطار التي تحدق به، وضمان المستقبل الأفضل الذي تتطلع إليه الشعوب العربية. إن بوابات تحقيق هذا الهدف، كما جاء في البيان، تكمن في تفعيل وتعزيز العمل العربي المشترك، مؤطراً في آليات عمل منهجية مؤسساتية وطروحات واقعية، قادرة على معالجة الأزمات، ووقف الانهيار، ووضع الأمة العربية، على طريق صلبة نحو مستقبل آمن، خالٍ من القهر والخوف والحروب، كما جاء في نص بيان القمة.
وطبيعي أن تحقيق السلام، يقتضي مواجهة عملية للإرهاب ولبؤره. وأن توضع ملفات القضية الفلسطينية، في الموقع الذي تستحقه. وفي هذا السياق، طالب القادة العرب بعودة مفاوضات السلام، بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني الغاصب، على أساس حل الدولتين، بما يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة فوق الأراضي الفلسطينية التي احتلها الصهاينة عام 1967. وقد أعيد التركيز في هذه القمة، مرة أخرى على المبادرة العربية للسلام، التي صدرت عام 2002.
وفي هذه القمة أيضاً، يتضح تأثير المتغيرات في السياسة الدولية، وأيضاً في مسرح المواجهة العسكرية على الأراضي السورية، حيث جرى التركيز على الحل السياسي، كطريق وحيد لمعالجة الأزمة، بما يحقق طموحات الشعب السوري، ويحفظ وحدة سورية، ويحمي سيادتها واستقلالها. إن حلّ الأزمة ينبغي، من وجهة نظر القمة العربية، أن يستند إلى مخرجات «جنيف1» وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة. وأن لا حل عسكرياً للأزمة، ولا سبيل لوقف الدم، إلا عبر التوصل إلى تسوية سلمية. إن ذلك يعني الاعتراف بكل الفرقاء المنخرطين في الأزمة، وعدم تجاهل أي مكون سياسي أو اجتماعي من مكونات الشعب العربي السوري. وإن الانتقال السياسي، يجب أن يكون حاصل توافق كل هذه المكونات. كما أشادت القمة بمحادثات أستانة، ودورها في تثبيت الوقف الشامل لإطلاق النار، في جميع الأراضي السورية.
أيّد المؤتمر حكومة العراق، في حربها على تنظيم «داعش»، وعملها على استعادة الموصل من سيطرة هذا التنظيم. وطالب بتحقيق مصالحة وطنية شاملة في العراق، عبر تكريس عملية سياسية، تثبت دولة المواطنة، وتضمن العدل والمساواة، لكل مكونات الشعب العراقي، في وطن آمن ومستقر، لا إلغائية فيه ولا تمييز ولا إقصاء.
وبالمثل، ساند المؤتمر جهود التحالف العربي، لدعم الشرعية في اليمن، وإنهاء الأزمة، على أساس المبادرة الخليجية، وآلياتها ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216.
وتناولت قرارات القمة أيضاً الأزمة في ليبيا، وأكّدت على تحقيق المصالحة الوطنية، ومكافحة الإرهاب، ووحدة الأراضي الليبية. وأيّدت مساعي دول الجوار للخروج بليبيا من محنتها، ودعم المؤسسات الشرعية.
تطرّقت قرارات القمة العربية، إلى معظم الأزمات التي يمرّ بها الوطن العربي، وعبّرت عن نوايا طيبة، وتعاطف واضح مع ضحايا الحرائق المشتعلة في عدد من الأقطار العربية. وقد حملت هذه القرارات، إشارات على النية في إعادة الاعتبار للنظام العربي الرسمي، الذي جرى تجميده، لعدة سنوات. ولكن هذه القرارات، وهو أمر مفهوم، لم تحمل آليات لوضعها قيد التنفيذ. والخشية أن تظل في خانة النوايا الحسنة، إن لم توضع آليات وبرامج زمنية لتنفيذها. وذلك إن حدث سيكون خيبة، لما يتطلع له المواطن العربي.
ليس علينا سوى أن نأمل ونتطلع إلى مرحلة جديدة، يتغيّر فيها الواقع العربي، ولا يكتفي فيها القادة العرب بإبداء النوايا الحسنة، بل تنتقل هذه القرارات إلى دائرة الفعل.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/07