آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عامر السبايلة
عن الكاتب :
كاتب أردني

قراءة هادئة في الضربة الأمريكية على سوريا


د.عامر السبايلة ..

لم يكن من المستبعد انتقال الإدارة الأمريكية إلى مرحلة شن هجوم عسكري على سوريا، خصوصاً بعد التسريع الأمريكي الأخير و تبني موقف تصعيدي تجاه سوريا في اليومين الأخيرين على خلفية مجزرة خان شيخون.

الحقيقة أن أي قراءة متأنية لطبيعة التحرك الأمريكي تشير بوضوح أن موقف الإدارة الأمريكية مرتبط بأجندة سياسية و أهداف ترغب الإدارة الأمريكية بتحقيقها، و ليست كما تبدو الأمور بأنها انقلاب مفاجئ في المواقف مرتبط بحدث معين كالحديث عن تغير موقف الرئيس بعد رؤيته لصور المجزرة الأخيرة في سوريا.

التحليل المنطقي يشير أن التحرك الأمريكي الخارجي قد يكون في جوهره هروباً من ضغوط داخلية.

 إن حجم الضغوطات التي تتعرض لها إدارة ترامب في الداخل الأمريكي يفوق أي تصور.

يبدو أن اتهام هذه الإدارة بالتواطئ مع روسيا كان له الأثر الأكبر في تبني فكرة التصعيد الأمريكي خصوصاً في سوريا، بحيث تظهر إدارة ترامب على أنها تواجه روسيا و تصطدم بسياساتها مما يمكن ترامب و فريقه من الرد على كافة الاتهامات و ضحدها بعد أن بدأت هذه الاتهامات بالإطاحة بأفراد إدارة ترامب واحداً تلو الأخر حيث وصلت الأمور إلى زوج ابنته كوشنير.

لهذا فان التحرك العسكري المحدود في سوريا يبدو كافياً لإعطاء الانطباع أن ترامب في حالة مواجهة مع  موسكو لا بل يقوم بضرب مصالحها و يعيد فرض وجود الولايات المتحدة مجدداً في المنطقة على عكس كافة الاتهامات التي تسوق تماهي إدارته و انسياقها وراء موسكو.

أما الحديث عن العمل العسكري في سوريا فهو فعلياً يهيئ الجميع إلى تواجد عسكري أمريكي في سوريا، و هو أمر تعمل الولايات المتحد عليه منذ شهرين تقريباً، لا بل تجري الاستعدادات له على قدم و ساق.

 من الواضح أن إدارة ترامب اتخذت قراراً بضرورة أن يكون تحرير الرقة من قبضة داعش بوابة عبور للرئيس الأمريكي نحو نسف صورة الإدارة الأمريكية السابقة غير القادرة على محاربة الإرهاب و تؤسس للإعلان عن وجود أمريكي في سوريا.

معظم التقارير الأمنية تشير إلى تعاظم التواجد الأمريكي في سوريا والعمل على تهيئة القوات الكردية لتكون شريك للقوات الأمريكية في عملية استعادة الرقة التي لاتبدو أنها تقتصر على عمليه استعادة أو تطهير من تنظيم داعش بل تبدو في جوهرها عملية استيطان أمريكي طويلة الأمد لمنطقة الجزيرة و بالتالي الحديث عن وضع اليد الأمريكية على حقول النفط و الغاز في تلك المنطقة.

الاحتفاء الإسرائيلي بالضربة الأمريكية في سوريا يشير بوضوح أن تل أبيب ترغب في توظيف الحضور الأمريكي تجاه إعادة تثبيت حالة التوازن العسكري السائد في المنطقة.

 الشهر الماضي شهد إرسال رسالة روسية  قوية لإسرائيل، خصوصاً عبر الرد السوري على استهداف الطائرات الإسرائيلية المغيرة على سوريا كرد على التحرك الإسرائيلي الأمر الذي أوحى بتغير جذري في سياسة الردع في المنطقة.

إسرائيل التي لم تستطع منع التواجد الروسي العسكري في سوريا تعايشت مع هذا التواجد إلا أنها اليوم تجد بالتدخل الأمريكي فرصة لإعادة رسم الأمور و ترتيب التوازنات من زاوية ضرورة إلا تفكر موسكو في تغيير معادلة الردع في هذه المنطقة، لهذا أصرت الحكومة الإسرائيلية على التأكيد أنها كانت على إطلاع على تفاصيل و موعد الضربة الأمريكية بطريقة بدت و كأنها شريك في الضربة.

الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا هي ضربة محدودة لكنها ضربة لها رمزية كبيرة، فهي تشير أن الولايات المتحدة باتت حاضرة و راغبة بالتدخل على الأرض في سوريا.

لهذا فأن خيارات التصعيد أو التهدئة اليوم ترتبط بقدرة جميع الأطراف على البحث عن مخرج سياسي للازمة في سوريا، فالولايات المتحدة مهتمة بالشرق السوري، أما روسيا فقط استوطنت الساحل المتوسطي و إسرائيل ترغب بإعادة رسم الأمور في المنطقة وفقاً لرؤيتها مما يعني أن احتماليات الحرب والمواجهة تضعف أمام بروز خيار التسوية الإقليمية التي تضمن لإسرائيل مصالحها وتثبت قواعد الحرب و موازين القوى في المنطقة، و تضمن كذلك للولايات المتحدة مصالحها و لا تؤثر على مصالح روسيا في سوريا و المتوسط.

لهذا فان بوابة التسوية الكبرى قد تكون المخرج الوحيد الذي يساعد الجميع على الحفاظ على المكتسبات وعدم الاضطرار لدفع خسائر كبيرة عبر فكرة المواجهة و الحرب.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد