هل تعتذر أميركا للدول الإسلامية السبع وشعوبها؟
رضي السماك ..
في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أقل من عشرة أيام على استلامه السلطة قراراً يفرض الحظر على شعوب 7 دول إسلامية برمتها من دخول بلاده وهي كل من العراق وسورية، واليمن، والسودان، والصومال، وليبيا، وإيران، ويبلغ سكانها مجتمعةً نحو 220 مليون نسمة، ومع أن القرار مازال موضع تجاذب بين السلطتين التنفيذية والقضائية إلا أنه ليس غريباً في عنصريته الفجة الصارخة، بأن يصدر عن دولة عظمى لطالما تباهت بأنها واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم، وأن ثورتها حملت مبادئ المساواة والحرية والعدالة منذ قرنين ونيف، كما ليس غريباً حتى في اختياره العشوائي الانتقائي لهذه الدول الشرق الأوسطية تحديداً على رغم أن مواطنيها هم الأقل هجرةً وتردداً على الولايات المتحدة، بل ولعل جالياتها فيها هم الأقل عدداً أيضاً مقارنةً بالدول الشرق أوسطية الأخرى المعفاة من القرار، ولربما حتى نسبة ما يشكله مواطنو الدول السبع في المنظمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» هي الأقل مقارنة ببقية الدول الشرق الأوسطية المعفاة.
فكل هذه العجائب المتمثلة في هذا التخبط العشوائي في سياسات ومواقف الولايات المتحدة من الإرهاب العالمي أو ما يسميه ترامب حصراً «الإرهاب الإسلامي» ما عادت مستغربة منها كدولة عظمى هي راعية الإرهاب الدولي سواء من خلال دعمها الرسمي العلني لدولة قامت على الإرهاب، وتتبناه وتمارسه في سياساتها بحق الشعب العربي الفلسطيني الذي اغتصبت أرضه وتجاه دول وشعوب الجوار العربية، أم من خلال دول معروفة برعايتها للإرهاب وتصدره فكرياً وتموله عسكرياً، أم بدعمها سرياً أو علنياً لجماعات إرهابية لا تخضع للقانون الدولي، ولا سيما بعدما بلغت هذه الدولة العظمى طورها الإمبريالي التوسعي الأكبر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية للاستئثار والهيمنة على مناطق كثيرة في العالم، ومنها بوجه خاص منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والمتميزة عالمياً بموقعها الاستراتيجي.
إنما المستغرب حقاً ذلك الصمت المطبق الذليل الذي قابلت به جُل تلك الدول السبع القرار الأميركي المُخزي، دون أن تحرك ساكناً واحداً أو أي رد فعل إزاء اتهام شعوبها ضمنياً أو صراحة بالإرهاب مما يعني قبولها ضمنياً بالانتقائية والتمييز الصريح الذي خصها القرار دون سواها، على رغم أن قراراً كهذا هو مرفوض جملة وتفصيلاً بالمعايير الحقوقية والدولية المجردة حتى لو خص دول المنطقة مجتمعةً، ومن ثم لم تقدم تلك الدول العربية الست المعنية حتى على احتجاجات شكلية لرفع عتب شعوبها المجروحة كرامتها من ذلك القرار، ولو باستدعاء السفير الأميركي المُعتمد في كل منها، دع عنك عدم اتخاذها أي قرار مماثل بحق الولايات المتحدة على قاعدة «المعاملة بالمثل» طبقاً للأعراف المعمول بها في العلاقات الدبلوماسية.
والحال أن الدول السبع (إيران والدول العربية الست) المتضررة شعوبها من ذلك القرار العنصري المُجحف يحق لها ليس فقط إصدار قرارات مماثلة أو تقديم احتجاجات شديدة منددة به، بل ويحق لها أيضاً طلب تعويضات معنوية ومالية عما لحق بها ومصالح رعاياها من أضرار بالغة إثر صدوره، علماً أنه استناداً إلى السجل الأسود لتاريخ الولايات المتحدة في علاقاتها مع دول العالم، وعلى الأخص دول العالم الثالث، لم يسبق لها تاريخياً أن بادرت إلى الاعتذار عما بدر منها من مواقف تتسم بالغطرسة العنصرية والمكابرة لا لهذه الدول فحسب؛ بل حتى لمن ينحدرون عرقياً منها واكتسبوا الجنسية الأميركية، وولدوا فيها ولو كانوا من أبناء الجيل الثالث أو الرابع من أجدادهم المهاجرين الأوائل، ونكتفي هنا بضرب مثل من التاريخ القريب، فاليابانيون اُخذوا بجريرة أصلهم العرقي غداة الهجوم الياباني على سفن بيرل هاربر العسكرية الأميركية في أواخر العام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية، إذ تم تسريح ما يقرب من 5 آلاف عسكري أميركي من أصل ياباني من الجيش على الفور، وتعرض أبناء الجالية اليابانية في الولايات المتحدة لأعمال انتقامية من البطش والتنكيل شملت الأطفال والنساء الحوامل والشيوخ والعجزة وكان أسوؤها ترحيل أكثر من 120 ألفاً منهم إلى معسكرات شبيهة في انحطاطها البيئي بزرائب الدواب في البلدان المتخلفة الفقيرة، وأمضوا فيها طوال سني الحرب اللاحقة (4 سنوات تقريباً)، وقضى نحبه نحو 200 ألف مُحتجز ناهيك عن وضع 6 آلاف حامل لأطفالهن في مثل هذه الأوضاع اللا إنسانية المزرية في أماكن الاحتجاز، واُوعز لمدير البنك الاحتياطي بالضغط على شريحة كبيرة منهم لتصفية أملاكهم بأسعار زهيدة للأميركيين البيض أو وهبها لهم.
ولم يشفع لهؤلاء أن وطنهم الأصلي «اليابان» استسلم في نهاية الحرب صيف 1945 على إثر إبادة أميركا مدينتين كبيرتين يابانيتين بسكانيهما في بضع دقائق معدودة بالسلاح النووي (هيروشيما ونغازاكي) لكي تبدي اعتذارها لهم، بعد أن وضعت الحرب أوزارها لما لحق بهم من أذى وحيف عبّر عن مُنتهى الحقد والكراهية العنصرية، وفقط في العام 1976 بحلول الذكرى 34 لتلك القرارات والإجراءات الرسمية المُجحفة المُخزية، اعترف الرئيس جيرالد فورد بأن من لحق بهم كل صنوف ذلك الاضطهاد والأذى قد كانوا من الأميركيين المُخلصين، وإن ما جرى بحقهم كان من «الأخطاء القومية»، ولكن حتى هذا الاعتذار الخجول المتأخر جداً لم يُقترن بتعويضات مالية في الحال؛ بل انتظر الضحايا وأبناؤهم وأحفادهم 12 عاماً إضافياً ليصدر قانون بتعويض 120 ألف دولار فقط لكل من لحق به الأذى!
وإذا كان هذا هو حال ومآل شريحة كبيرة من مواطني الولايات المتحدة ذوي الاُصول اليابانية، والذين أصبح بلدهم الأصلي بعد مضي سنوات قليلة من انتهاء الحرب التي خرج منها مُحطماً تماماً، دولة صناعية ديمقراطية كبرى مُحترمةً يُشار إليها بالبنان على الساحة الدولية وحقوق الإنسان مرعية على أراضيها، فلنا أن نتخيل حال شريحة أميركية من المواطنين الأميركيين المنحدرين من اُصول عربية وإسلامية كتلك الدول الإسلامية السبع التي مازالت بدرجات متباينة تتخبط في أوحال الجهل والتخلف والاستبداد والحروب الداخلية حتى بعد نيلها استقلالاتها، دع عنك تفرقها ووهن العلاقات فيما بينها، فهل نتوقع وحالها كذلك أن تقيم لها واشنطن أي وزن أو اعتبار؟
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/08