ترامب في أول حروبه الأمبراطورية
قاسم حسين ..
شهد فجر يوم الجمعة (7 أبريل 2017) بداية تكشير الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن أنيابه، ليستهل أول الحروب الإمبراطورية في عهده، بتوجيه ضربةٍ لقاعدة عسكرية سورية بـ 59 صاروخاً من نوع توما هوك.
المواطن العربي ينام في هذه المنطقة الخطرة من العالم، ليستيقظ مذهولاً على ضجيج الانفجارات والصواريخ. في آخر نشرات مساء الخميس، كان أعضاء مجلس الأمن قد اتفقوا عند منتصف الليل على مناقشة الهجوم الكيماوي على خان شيخون، لكن أخبار الخامسة فجراً تصدّرها الخبر العاجل بالهجوم الأميركي المباغت على قاعدة عسكرية سورية، دون إجراء تحقيقٍ أو حتى مشاورةٍ مع بقية أعضاء مجلس الأمن، لتحديد الطرف الذي ارتكب هذه الجريمة المروّعة.
العملية أعادت إلى الأذهان سريعاً ما حدث في العام 2001، بعد الهجمات على نيويورك في 11 سبتمبر، والتي قرّر الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن القيام بغزو أفغانستان بعد اقل من شهر، وسرعان ما جرى وضع خطة غزو العراق في مطلع العام 2003. وحين حاول استصدار قرارٍ من مجلس الأمن، عارضه حتى بعض حلفائه الغربيين، مثل فرنسا وألمانيا، فمضى في مشروع غزو العراق بمباركةٍ مطلقةٍ من بريطانيا. وصدرت عن الإدارة الأميركية يومها عباراتٌ تنم عما بلغته غطرسة القوة، حتى وصف وزير خارجيتها (دونالد رامسفيلد) أوروبا بالقارة العجوز احتقاراً.
يومها عرض الوزير الأميركي كولن باول في الأمم المتحدة «دلائل» عن تورّط النظام العراقي بإنتاج أسلحة الدمار الشامل، ودعمه تنظيم «القاعدة». واكتشف العالم سريعاً أنها كانت أدلةً مفبركةً، استخدمها الأميركيون حجةً لغزو واحتلال العراق.
اليوم، يترسم ترامب خطى بوش الابن، لكن مع فارق العملة، فهو أشد خطورةً من سلفه، وأصعب تنبؤاً بخطواته المقبلة، بفعل تقلباته الحادة ومواقفه المتشنجة، حتى قبل أن يصل إلى البيت الأبيض.
بعض المحللين العرب والأجانب تنبّأوا بقيام ترامب بمثل هذه العملية، فالرجل يشعر بأنه محاصَرٌ بالمشاكل الداخلية، ومحاطٌ بالكثير من الأعداء والكارهين، والإعلام الأميركي نفسه يناصبه العداء منذ يومه الأول بالبيت الأبيض، وهي ظاهرةٌ ربما تحدث لأول مرةٍ في التاريخ الأميركي، فالإعلام عادةً ما يكون من صنّاع الرؤساء أو يسهم في تدعيم مواقفهم والترويج لسياساتهم، أو تخليد صورهم لاحقاً في التاريخ.
ترامب وصل على ظهر موجةٍ شعبويةٍ انعزاليةٍ، وجدت لها ملايين من المؤيدين رجّحوا كفته في الانتخابات. وطوال هذه الفترة لم يوفّر صديقاً ولا عدواً من التهديدات، وكان ينذر بتصفية كل ما ورثه من حقبة سلفه باراك أوباما. وفي لقاءاته الأولى مع أقرب حلفاء بلاده، شاهده العالم كيف تصرّف بعنجهيةٍ وفظاظةٍ حتى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. أما جارته الجنوبية المكسيك، فهدّدها ببناء جدار لمنع دخول مواطنيها، وترحيل المهاجرين السابقين، على أن تتحمّل المكسيك كلفته بالكامل، ما اضطر رئيسها انريكي بينا نييتو إلى إلغاء زيارته إلى واشنطن، وعودة وزيري الخارجية والاقتصاد حيث كانا يمهّدان للزيارة.
سيسجل التاريخ أنه في فجر يوم الجمعة، السابع من شهر أبريل/ نيسان2017، الموافق للعاشر من رجب المرجّب عام 1438 هجرية، بدأت أولى المغامرات العسكرية الأميركية في عهد الرئيس اليميني المتطرّف دونالد ترامب.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/09