لماذا يريدون تدمير أكبر بلدٍ إسلامي؟
قاسم حسين ..
انعقد في مدينة بوقور إندونيسيا يومي الجمعة والسبت (7-8 أبريل 2017) مؤتمر يتحدث باسم الأمة، وشارك فيه ممثلون عن جمعيات دينية في إندونيسيا ودول الآسيان.
المؤتمر يحمل عنواناً متناقضاً، ففي الوقت الذي يدعو «لتعميق روح الأخوة ونبذ الفرقة في مواجهة تيارات الغلو والتطرف من كافة الاتجاهات»، فإن الجهة المنظمة للمؤتمر تسمّي نفسها «ائتلاف الأمة في مواجهة المد الصفوي»، وهي تكشف وجهاً آخر للفتنة التي يُراد تأجيجها بين أتباع المذاهب الإسلامية الرئيسية في العالم الإسلامي، فضلاً عن المدارس الفكرية والفقهية المتنوعة التي تعايشت طوال قرون ضمن المكوّن المذهبي الواحد، ويُراد الآن استكمال تنفيذ مشروع تمزيق الأمة.
في العالم الإسلامي هناك سبعة مذاهب رئيسية، فإلى جانب المذاهب الأربعة، هناك المذهب الشيعي والزيدي والأباضي، التي أشهرها الأزهر الشريف، منارة العالم الإسلامي، في موقفه التاريخي قبل سبعين عاماً.
اليوم، يُراد إعادة العالم الإسلامي إلى الوراء سبعة قرون، ليغرق من جديد في حمامات الدم والصراعات والحرائق التي لا تنتهي، لنسقط جميعاً تحت هيمنة المستعمرين الجدد، بعدما أودت صراعات المسلمين في القرون الوسطى إلى سقوطهم تحت سنابك خيل الفرنجة والتتار.
ربما لدى بعضنا نحن العرب عقدة خوفٍ متأصلٍ من الآخرين، بسبب تخلفنا الحضاري وعدم ثقتنا بأنفسنا، لكن المأساة حين نصدّر هذه المخاوف والعقد إلى دول إسلامية كبرى، لندخلها في هذه المتاهة، ونمهّد الطريق أمامها لتتحوّل إلى أفغانستان أخرى.
خارطة المذاهب ثابتةٌ لم تتغيّر منذ قرون، وقد تمضي قرون أخرى دون أن تتغير، فالمذهب المالكي يسيطر على دول المغرب، والشافعي في مصر وأندونيسيا، والأباضي في عُمان، والشيعي في إيران والعراق. لن تتغيّر هذه القوى بين عقدٍ وآخر، ولن يتغلب مذهبٌ على آخر في معقله التاريخي، فلماذا كل هذا الخوف والفزع من المدّ والمدّ المضاد؟ ولماذا نصدر هذه المخاوف والعقد والأوهام إلى بلدانٍ أخرى آمنةٍ مستقرة، ونحوّلها إلى ساحات للمعارك والفتن والصراعات؟
أندونيسيا، أكبر بلد إسلامي من ناحية التعداد السكاني، بغالبية إسلامية مطلقة. شعب فقير مسالمٌ دخل الإسلام طوعاً، في قرونٍ متأخّرة، بفضل التعامل مع التجار المسلمين، خصوصا القادمين من اليمن. وهي ظاهرةٌ نجدها أيضاً في ماليزيا وجزر المالديف والفلبين التي كان يحكمها المسلمون وانحسر حكمهم بعد الغزو الاسباني لتلك الجزر ليصبحوا أقليةً في الجنوب.
اندونيسيا، هذا البلد الوديع المترامي الأطراف الذي نحبه، دخل في الإسلام دون حرب، وإنما بفضل المعاملة الأخلاقية الراقية التي تلقّوها من التجار المسلمين، فضلاً عن الزهاد المتصوفين الذين كانوا يجوبون تلك المناطق مبشّرين بتعاليم الدين الحنيف، وكان لهم فضلٌ كبيرٌ في انعطافة القلوب نحو الإسلام، ويعتبرهم بعض المتطرفين اليوم مشركين ومبتدعين!
اليوم، تريد مثل هذه الجهات المتشنجة، أن تعلن الحرب على المذاهب والمدارس والطرق الإسلامية الأخرى، تحت دعوى محاربة «الغلو والتطرف من كافة الاتجاهات». وهو عملٌ رأينا نتائجه المدمرة، سواءً في المشرق أو المغرب العربي، ومازال دخان الحرائق يتصاعد إلى عنان السماء، في العراق وسورية واليمن وليبيا والصومال والنيجر، فضلاً عن باكستان وأفغانستان. ويُراد اليوم أن تُلحق أندونيسيا بهذه القامة من الدول المنكوبة بالتكفير والإرهاب.
مَن المستفيد من وراء إثارة الخلافات وتأجيج الصراعات بين المدارس والمذاهب الإسلامية المختلفة؟ ولمصلحة من يعمل هؤلاء؟ وهل يريدون أن يحوّلوا أكبر بلدٍ إسلامي إلى أفغانستان أخرى؟ ويحوّلوا هذا الشعب المسالم الوديع إلى انتحاريين بالعبوات الناسفة والسيارات الملغمة بالمتفجرات؟ وما هي الآثار المترتبة على ذلك، على دول «الآسيان» والعالم الإسلامي، وصولاً إلى الصين واليابان وتايوان و... العالم أجمع؟
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/11