مستشفى غدران.. من يعيد حياته؟
محسن علي السهيمي ..
حمل شهر ربيع الثاني من العام (١٤١٩هـ) مفاجأة سارة لأهالي منطقة الباحة وما حولها من مناطق ومحافظات الجنوب. المفاجأة تمثلت في افتتاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله -ولي العهد آنذاك- مستشفى غدران العام ببلجرشي لصاحبه الشيخ سعيد غدران رحمه الله، ذاك الصرح الطبي الذي يتسنَّم قمةَ جُبيلٍ شرقيَّ مدينةِ بلجرشي ويشكل معلمًا حضارياً لها، وقطبًا شرقيًّا يضاهي قطبها الغربي (جبل حِزْنة) حلَّ بديلاً ناجحًا -استثماريًّا وخدميًّا- للفندق الذي يبدو أنه لم يفِ بأغراضه المأمولة. ظل مستشفى غدران طوال عقدين من الزمان وجهةً ومقصدًا لمرضى المنطقة الجنوبية الذين وجدوا فيه خدمات صحية متميزة أغنتهم عن الانتظار الطويل لمواعيد المستشفيات الحكومية، وأراحتهم من عناء السفر والانتقال للمستشفيات الخاصة التي لا تتوفر في الأطراف وإنما في المدن المركزية. عقدان تصرما من عمر مستشفى غدران العام ببلجرشي والمستشفى يقوم بأدواره المأمولة منه بوصفه المستشفى الخاص الوحيد المتكامل في خدماته الصحية بالمنطقة الجنوبية، ولذا لم يكن غريبًا أن تُجرى فيه العمليات المتقدمة باستخدام أحدث التقنيات وبإشراف أمهر الأطباء، بالإضافة لتقديمه خدمة الطوارئ والتنويم لجميع التخصصات على اختلاف مسمياتها. لقد كان مستشفى غدران العام نقطة تحول في مفهوم الخدمات الطبية في المنطقة الجنوبية، كان الملاذ -بعد الله- للمرضى والمصابِين، كان بقعة ضوء تبعث -بفضل الله-الأمل، وتداوي الجراح، وتطبب المرضى، وتشفي العليل، ولم يكن المرضى وذووهم يحمِلون هَمَّ الانتظار ولا همَّ التنقل والترحال إلا في حالات نادرة، وكانوا كلما ألمَّ بهم عارض صحي لا يشعرون إلا وهم في مستشفى غدران العام، وهناك يجدون خدمات صحية تحقق رضاهم وتفي بالكثير من مبتغاهم. ولقد أُجريَتْ لوالدتي ولي ولابنِي عملياتٌ في هذا المستشفى، وجميعها تكللت بالنجاح ولله الحمد، وما نحن إلا عيِّنة بسيطة من شريحة كبيرة من المرضى الذين أُجريت لهم عمليات متقدمة وعديدة، وقُدمت لهم رعاية صحية متكاملة في هذا المستشفى. قبل حوالي ثلاثة أشهر مررتُ على المستشفى (مستشفى غدران) فأحسست أن الأمور ليست كما عهدتُها؛ فالمراجعون عند موظفي الاستقبال لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة بعد أن كانوا يتزاحمون ويتدافعون لكثرتهم، بل إن موظفي الاستقبال أنفسهم أتوا متأخرين على غير عادتهم، ومما زاد يقيني أن هناك أمرًا ما هو أننا لم نجد بغيتنا في المستشفى، ولذا اتصلت بمدير العلاقات العامة الصديق الشاعر الخلوق (عبدالعزيز أبو لسَّة) مستفسرًا عما يجري، وهل أنا واهمٌ أم أن الأمر على حقيقته؟ فأجابني إجابة دبلوماسية -فهمتُ مضمونها- داعيًا الله أن يهيِّئ ما فيه خير. ولم تدم حالة الاستغراب أكثر من شهر ونصف الشهر حتى أُغلق مستشفى غدران العام. لقد أُصيب المواطنون بخيبةٍ وهم يرون شعلة الأمل تُطفأ، ومصدر الشفاء توصد أبوابه. ويبقى الأمل معقودًا على أبناء المرحوم سعيد غدران ليعيدوا الحياة للمستشفى، ويعيدوا له تميزه وفرادته، ويتغلبوا على العوائق التي أدت إلى إغلاقه، ليمارس أدواره الإنسانية في علاج المرضى وتخفيف آلامهم، وليحتسبوا ذلك عند الله لوالدهم حتى وإن كان المستشفى ربحيًّا، فهم بهذا العمل ينقذون -بقدرة الله- الأرواح، ويشفون المرضى، ويدخلون السرور على ذويهم، ويقدمون خدمة جليلة لمجتمعهم في الجنوب، وكل ذلك لا يضيع عند الله.. «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا».
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/04/12