مشكلة التعليم هل التاب والكتاب؟
مرزوق بن تنباك ..
في البدء فإن المملكة من أكثر دول العالم إنفاقا على التعليم في كل تخصصاته وموضوعاته، فهي تخصص جزءا كبيرا من الدخل القومي للتعليم بكل مستوياته، التعليم العام والتعليم العالي والتعليم التقني أو المتخصص.
وأن الميزات التي يحصل عليها المعلمون عالية إذا قيست بغير المعلمين من مجمل موظفي الدولة، إضافة إلى ذلك هناك محاولات كثيرة تمت لتطوير مناهج التعليم وجربت كثير من الوسائل المتبعة في الدول المتقدمة، وجرى تغيير في الخطط والمناهج وطرق التدريس.
ومنذ أكثر من ثلاثين سنة غيرت المناهج وغيرت طرق التدريس أكثر من مرة بل مرات عدة بحثا عن الأفضل ولن أشير إلى النتائج لأنها معروفة للجميع، وتلك المحاولات التي جرت والتي ستجري تدل على المساحة التي يحتلها الاهتمام بالتعليم والآمال المعقودة على نتائجه ومخرجاته.
ولعل ما تنوي الوزارة عمله في المستقبل من تجربة جديدة تعتمد على التقنيات الحديثة وتلغي الكتاب كما يقولون هي إحدى المحاولات للتطوير والبحث عما يرفع من التحصيل والدفع إلى استغلال ما تجود به وسائل التطور من إمكانيات، وهذا لا غبار عليه وهو ما يجب أن تسعى الوزارة إليه في كل الوسائل الممكنة، ومع ذلك فلا بد أن يكون هناك أكثر من رأي وأكثر من وجهة نظر تأخذ في الاعتبار في الدرجة الأولى المحيط الثقافي، والبيئة الاجتماعية التي تشكل أهمية لا يمكن التغافل عنها، ولا يمكن تجاوز آثارها على المتلقي وهم الطلاب والمعلمون.
لكن مشكلة التعليم ليست مشكلة الوعاء الذي تقدم به المعلومات ولا نوع هذا الوعاء إن كان الكتاب الورقي أو الكتاب الالكتروني، مشكلة التعليم غير ذلك والأجدر أن نبحث جذر المشكلة وأساسها قبل أن نقرر في أمر آلات التعلم وأوعيته التي نصب المادة العلمية فيها عند تقديمها بأي وعاء كان.
مشكلة التعليم تكمن في تصورنا لوظيفته في المجتمع، وحاجتنا التي نريد التعليم والمتعلمين أن يقوموا بها، والخصوصية التي نريدها في كل الأحوال حاضرة وثابتة لا تتغير مع كل ما نحاوله من وسائل التغيير، نريد من التعليم ومن المتعلمين أن يكون ولاؤهم لعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا المحلية وليس ولاؤهم للحقيقة العلمية التي تفضي بهم إلى متسع من المعارف الجديدة والطارئة في الحياة وفي العالم.
ومشكلتنا أننا في سبيل تكييف الجديد والطارئ من المعارف الذي نرى أنه لا بد من الأخذ بها نقوم بتغيير وتبديل ما نريد أخذه من المناهج الحديثة ليطابق أو يماثل ما نرى أننا بحاجة إليه ونهمل ما نظن أنه غير صالح لنا ولا نعمد إلى الأخذ به كما هو في أصله ومحتواه وهذا الانتقاء الذي نفعله في أصول العلوم الحديثة يفرغها من محتواها وسطوتها العالمية ويجففها من صرامة دلالتها المعرفية، هذه واحدة من أسباب تعثر العملية التعليمية وعدم سلاسة العمل بها.
أما المشكلة الأخرى التي أبطأت بحركة التعليم وسيرورته وأثرت على مخرجاته فهي شعورنا أننا غير، وأن تعليمنا يجب أن يكون كذلك، وأن الرقابة حاضرة وبقوة على كل كبيرة وصغيرة في مناهجنا وفي مضامين التعليم والأخذ بآراء من لا يعرفون من التعليم إلا نوعا واحدا وموضوعا واحدا وما سواه فباطل وغير مرغوب فيه عندهم.
المشكلة الثالثة مشكلة الحرية فالتعليم لا يعيش ويفلح وينجح إلا إذا توفرت له مناخات الحرية الكافية وتعددت مناهجه وتخصصاته وترك لكل مؤسسة علمية حرية وضع سياستها التعليمية المستقلة التي ترى الحاجة تدعو إليها وتلتزم بها وتحافظ عليها، وتعديل مناهجها أو تبديلها وتطورها مع الوقت، وقبول الجديد واستيعابه وعدم التدخلات في الأسس الثوابت التي تبنى عليها السياسة العامة للتعليم، إذا حققنا ذلك فإن أمر الوعاء كتابا أو تابا يصبح سهلا وممكن الخيار فيه.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/12