الغرامات المرورية.. بين المبالغة والعقلانية!
عبدالغني القش ..
نتفق جميعا على ضرورة تطبيق النظام والتقيد بتعليماته والسير وفق إجراءاته، وهذا في شتى مناحي الحياة، وبخاصة فيما يتعلق بالشأن العام، والمرور والسير في الطرقات من أهم هذه المناحي التي تهم الجميع.
وقد صدرت مؤخرا لائحة عقوبات جديدة، يبدو واضحا أن من وضعها لم يقم بدراستها بشكل كاف، ومبالغ الغرامات تجعل المرء يقف أمامها مندهشا إلى درجة الذهول، فهي أقرب إلى التعجيز، ولا تتفق إطلاقا مع واقع المواطن المعاش، والقصد المفترض منها وهو التعويد على الالتزام. وقد تداولها المتعاملون مع برامج الجوال، والمتداولون لها في برامج التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، وكنت غير مصدق لها حتى انتقلت لموقع المرور الرسمي على الانترنت، ورأيتها بأم عيني، فازددت تعجبا واندهاشا!
وبودي لو تم النظر إلى ما يجري في دول مجاورة، والإفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال الهام، والبدء من حيث انتهى الآخرون، فاستنساخ التجارب يعد ميزة في أي نظام، وعاملا رئيسيا في إنجاح من يريد ذلك لنظامه، والحكمة تقتضي استقراء الواقع والنظر إلى أقصر الطرق للوصول إلى الهدف المنشود وبشكل مباشر.
ما يجري حاليا تطبيق لغرامات كبيرة كانت موجودة سابقا، لكن تمت مضاعفتها أضعافا عديدة، والحجة هو إجبار السائق على الالتزام وتطبيق النظام قسريا على الجميع، ونحن نؤيد الهدف وبقوة، لكننا نختلف في الأسلوب؛ فما الحاجة إلى فرض غرامات بهذا الشكل الذي لا يتفق إطلاقا مع الواقع الذي يعيشه المواطن؟
وأقصد أن الغرامة المفروضة يفترض أن تكون متوافقة مع الإمكانية التي يملكها من تطبق عليه، بحيث ينظر لمستوى الدخل، وإمكانية التسديد، وحينئذ يمكن للجميع التسديد وباقتناع تام.
لكن الواقع يقول إن مبالغ الغرامات تم الإيغال في حجمها حتى باتت خارجة على نطاق السيطرة؛ ولك أن تتصور مخالفة تبلغ قيمتها عشرين ألف ريال!
وما زال موضوع مضاعفة الغرامة يؤرق الكثيرين ممن ارتكبوا مخالفات؛ وتجدهم لظرف أو لآخر لم يسددوا في الوقت المحدد والقصير جدا (شهر واحد فقط)، وعند محاولة السداد يجدها وقد تم وصولها إلى الحد الأعلى (بحسب تعبير واضعي النظام المروري)، فيقول في نفسه ما دام أنها وصلت إلى المضاعفة فلا فائدة ويتركها (وهذا خطأ بلا شك)، وهكذا حتى بلغت مبالغ المخالفات لدى البعض عشرات الآلاف وربما تجاوزت سقف المئة ألف!
وبودي لو يتم إعادة النظر في موضوع المضاعفة أو ما يعرف ببلوغ الحد الأعلى؛ فالأوضاع الاقتصادية لا تحتمل المزيد من التبعات المالية، والمضاعفة غير مبررة أصلا، والحكم الشرعي فيها قد تم الفصل فيه من قبل سماحة المفتي العام، ومع هذا بقي واضع النظام مصرا عليها، فهل يتم العدول عنها؟
إن الغرامات المرورية الأصل فيها تعويد قائدي المركبات على الانضباط، وهذه الغرامات إنما وضعت لردع كل من يخالف، وهذا أمر يتفق عليه الجميع، ويتمنى أن يعيش اليوم الذي يصبح فيه قائدو المركبات على درجة عالية من الالتزام التام بالقواعد والإرشادات المرورية.
ولكن يبقى الدور الإرشادي والتوجيه الإعلامي مطلبا ملحا، أما طريقة فرض الغرامات الموجعة والمبالغ المؤلمة وبشكل مفاجئ وبلا تدرج، فلا أتصور أن ذلك حل ناجع، وأخشى ما أخشاه أن تمتلئ السجون، لعجز المخالفين عن السداد، فتتعطل مصالحهم وتقفل شاشاتهم، بسبب المبالغ المتراكمة عليهم.
وأرجو ألا يفهم من مقالي أنني لا أؤيد فرض الغرامات، ولكنني أرجو أن تكون عقلانية، وتتفق مع وضع المواطن الاقتصادي وعدم المبالغة فيها، فهل وصلت الرسالة للقائمين على نظامنا المروري؟!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/15