الأرقام المميزة... بين «المزاد» و«الاستحواذ»
هاني الفردان
دخلت البحرين يوم الخميس (13 ابريل/ نيسان 2017) مرحلة جديدة لم تكن معهودة من قبل، وهي تتعلق ببيع أرقام السيارات المميزة في مزاد علني، وهي بادرة يأمل القائمون عليها في أن تكون انطلاقة في تدشين هذا النوع من أدوات البيع والشراء المتوافقة مع مبادئ العدالة والاستدامة والتنافسية، بحسب ما هو معلن.
تميّز اليوم الأول من المزاد بمعايير واضحة عزّزتها الشفافية في الطرح وإتاحة المشاركة أمام الجميع، ليكون ذلك محققاً لمبدأ التنافسية العادلة لكل من يريد المشاركة، ولتحقيق أعلى دخل ممكن، وليشكل ذلك مصدر دخل إضافي معزز للموازنة العامة كون هذه الأرقام في الأصل ملكاً عاماً، رغم التشكيك الموجود بشأن حقيقة إدراج إيرادات المزاد ضمن الموازنة العامة.
هذه التجربة التي نشيد بها، ليست جديدة على منطقتنا، فقد سبقتنا فيها دول الإمارات العربية المتحدة وبالخصوص «شرطة دبي» التي دخلت هذا المجال منذ العام 2001، أي سبقتنا بـ16 عاماً تقريباً، وكان الأجدر بنا الاستفادة من تلك التجربة بشكل كامل، من حيث تعزيز الإيجابيات وتفادي السلبيات.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، لم يكن الهدف من بيع الأرقام المميزة للسيارات هو إيجاد مدخول إضافي للدولة، أو خلق مورد مالي، أو لفرض أموال على الناس، بل كان الهدف واضحاً ودقيقاً لديهم، وهو منع «الاحتكار»، أي احتكار فئة معينة لتلك الأرقام، حالت دون تحقيق مبدأ العدل والمساواة بين الناس.
القيادة العليا في دولة الإمارات دعمت هذا المشروع بعدما وجدت أن الأرقام المميزة مقتصرةً على بعض فئات المجتمع دون غيرهم، وتتكرر باستمرار كلما صدرت أرقام جديدة حيث يكون طابع الاحتكار هو المسيطر، ما يؤدي إلى التذمر والشكاوى وبث الأقاويل بأن هناك مجاملات. (تصريح لمدير مرور دبي العميد عبدالرحمن رفيع، صحيفة «البيان» الإماراتية، 15 مايو/ أيار 2011).
حكومة الإمارات في ذلك الوقت كانت تحمل رؤية واضحة تقوم على إيجاد نظام عادل للأرقام المميزة شبيه بما هو مطبق بالدول الأخرى المتحضرة، على أن من يستطيع الشراء ودفع قيمة الرقم المميز فله الحق سواء كان مواطناً أو مقيماً، التملك في إطار النظام والقانون واللوائح المنصوص عليها، وأن لمالك الرقم الحق في التنازل عنه والتصرف فيه كما يشاء، بعد أن يتم تسجيل شهادة الملكية له من قبل الإدارة العامة.
عملية المزاد للأرقام تطوّرت بشكل سريع، حتى تحوّلت إلى شبكة الإنترنت، وأصبحت الأرقام المميزة مطروحةً بكل شفافية أمام جميع المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات للاستفادة منها وشرائها في مزاد إلكتروني علني، يحقق أكبر قدر من الشفافية والمساواة والاستدامة أيضاً.
وبما أن تجربتنا في البحرين لازالت وليدة، ولازالت تتلمس خطواتها الأولى، فإننا نضع بين يدي القائمين عليها الفكرة الإماراتية بكل تفاصيلها، خصوصاً أن شركة «مزاد» المعنية بذلك، تعاقدت مع شركة العربية للمزادات (شركة إماراتية) لتنظيم وإدارة مزاد الأرقام المميزة للسيارات الخاصة الذي عقد يوم الخميس الماضي.
من أهم ما يمكن الحديث عنه حالياً بشأن الأرقام المميزة للسيارات مثلاً، هي الرؤية الحقيقية من تلك الخطوة، فليس المال بذاته هدفاً أساساً، رغم كونه ضرورياً ودخلاً إضافياً، إلا أنه من الضرورة بمكان أن تقوم على أساس منع احتكار فئة أو جماعة، أو اقتصارها على مساحة معينة من البشر وحرمان البقية.
ما نقوله ليس ضرباً من الخيال، بل هو حقيقة يلمسها ويدركها ويعرفها الجميع، فالأرقام المميزة للسيارات ليست مطروحة بشفافية وعدالة ومساواة للجميع، ويتم الاستحواذ عليها بشكل واضح، وربما طرح الكثيرون سؤالاً منطقياً وعقلانياً، عندما طرحت الأرقام للمزاد العلني عن مصير الأرقام المميزة الكثيرة جداً، والتي وُزّعت من قبل بالمجان وفق منظور المجاملات والمحسوبيات والوساطات وغيرها.
في دولة الإمارات طرحت للمزاد العلني أرقام أحادية (رقم 1) وبيع بـ 14.3 مليون دولار في العام 2008، وثنائية (رقم 44) وثلاثية (رقم 111) ورباعية (رقم 1111) وحتى الخماسية (رقم 99999) أمام العامة وحققت مبيعات عالية جداً، وخصّص جزء من ريع بيع تلك الأرقام للأعمال الخيرية، من بينها بناء مستشفى متخصص لعلاج ضحايا حوادث السيارات.
نعتقد أن مسألة الأرقام المميزة في البحرين ستتحوّل لتكون شبيهةً بالأراضي العامة، وُزّع الكثير منها بالمجان، ثم تم بيعها بالملايين، وكذلك سيكون حال الأرقام، وزعت بالمجان، وستصل أسعارها بالملايين خصوصاً الأحادية والثنائية والثلاثية. وما نصّ عليه القرار رقم 47 لسنة 2017، الصادر عن وزير الداخلية بشأن بيع لوحات أرقام التسجيل المميزة وشبه المميزة للمركبات، وبالخصوص في مادته الثامنة: «أنه يحق لمن خصص له رقم تسجيل قبل العمل بهذا القرار الاحتفاظ بالرقم على أنه لا يجوز له بيعه إلا بعد تملكه بدفع المبلغ المالي الذي يحدده الدليل في هذا الخصوص، ولا يجوز نقل الرقم إلى آخر إلا وفقاً لأحكام المادة السابعة لهذا القرار»، سيرسخ ذلك المفهوم حيث ستبقى الأرقام لدى من استحوذ عليها بدفع مبالغ زهيدة وفق ذلك الدليل، على رغم أن قيمتها السوقية ستكون كبيرة جداً.
لنتعلم من التجربة الإماراتية، ولنُعِد رسم خريطة الاستفادة من الأرقام المميزة، ولتكن هناك رقابة حقيقية وشفافية كاملة على الأرقام السابقة واللاحقة وإيراداتها.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/17