القطاع الحاف
علي رافع الزهراني
لم أكن أعرف حينما تخرجت في كلية الهندسة بأني سأعيش تحت ضغط العطالة، وانعدام الاستقرار الشخصي بمختلف أنواعه، إلى أن لاحت علي الوظيفة الأولى التي كان الطلب فيها علي جادا، بعد أن وجد خطابي التمهيدي القبول لدى أحدهم، لاندفاعي وطموحي، قبلت، فقد كنت أحتاج إلى العمل وتخطيت مراحل الرغبة في عمل محدد بمراحل، كانت المرة الثانية التي أواجه فيها صراعا داخليا مع الذات عن الاتجاه الذي يسير إليه القطاع الخاص!.
كان العرض الأول في حياتي لشركة تعمل في مجال المقاولات الهندسية في إحدى مجالات الهندسة، وكان مالك الشركة مقيما من دولة عربية شمال الوطن العربي، كانت ملامح الغنى الفاحش ظاهرة عليه بشدة، ورغبت وأحببت من كل قلبي مجال العمل الاختصاصي الذي تعمل فيه الشركة التي يديرها، بالرغم من أن المقابلة تمت بتوصية، إلا أنها كانت استقصائية بحتة، وكان هدف من قابلني أن يقصيني ويحتكر المجال لأبناء جنسيته.
تفهمت السبب وخرجت خالي الوفاض، وبعدها وجدت عملا في شركة كبرى، لقد واجهت نفس الضغط، ضغط العمل الاستقصائي، وعشت طوال فترة عملي الأولى هاجس عدم الاستقرار الوظيفي، والخطأ هنا مركب، لقد وجدت أسبابا من بين عشرات الأسباب تجعل أي سعودي يكره العمل في القطاع الخاص، أولها انعدام الأمان الوظيفي، وجميعنا كشباب نرغب في تكوين أسر، إذا لم يكن لدينا بالفعل أسر وأطفال، ولدينا التزامات اجتماعية مادية ومعنوية تجاه الغير، كذلك انعدام وجود نظام عمل يحدد التفاصيل الدقيقة للعمل، للمهام والواجبات والمسؤوليات، وانعدام التدريب الكافي.
لا يزال ملاك الشركات يتربحون بنسب عالية إذا لم تكن كاملة أصلا دون قانون يلزمهم بتخصيص جزء من الأرباح المتبقية بعد تكاليف التشغيل لتدريب وتشغيل وتحسين رواتب العاملين السعوديين وأدائهم، توظيف السعودي في القطاع الخاص سيحسن من دفع الحركة التنموية في المملكة، سنشاهد المزيد من الإبداع، سيعزز السيولة المالية وسنشاهد الكثير من المشاريع الجديدة، ريادية أو ابتكارية أو حتى في مجال الخدمات المساندة، ستتحسن مستويات الجودة وتتعزز التنافسية، والكثير من النتائج الجميلة الأخرى لا يمكن إحصاؤها في هذا المقال، حيث إن العمل على تطوير القطاع الخاص وفق بيروقراطية تحاكي رغبات المجتمع وتوازي المستويات العالمية في النمذجة والتقنين سيكون له أثر طردي سريع جدا، وسيكون لدينا نتائج سريعة جدا في خفض معدلات البطالة والابتعاد أكثر عن الاعتماد على الدخل البترولي في ضخ السيولة في الأسواق.
القطاع الخاص مجال عمل المبدعين والطموحين في كل مكان، وأتمنى أن يصبح كذلك، وأن تصبح الوظائف الحكومية مكان النخبة من العاملين في القطاع الخاص وأصحاب الخبرات.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/18