مبالغة في المبالغة
عبدالله المزهر
المبالغة حتى في الفعل النبيل تحوله إلى فعل مستنكر، فالمبالغة في الحب تحوله إلى رغبة في التملك، والمبالغة في الكرم إسراف، والمبالغة في التوفير بخل، والمبالغة في الثقة سذاجة.
السؤال المهم أيها الأخوة والأخوات هو: ما مناسبة هذا الحديث؟
والحقيقة أنه لا يشترط وجود مناسبة لأي شيء، لكن مع هذا فإن الدافع هو أنني شخص كثير الامتعاض والتذمر، وقد عبرت عن شديد امتعاضي من فكرة الضرائب، وزيادة الرسوم، ومن اختفاء البدلات والعلاوات، ومن غلاء الأسعار، ومن خوفي من أن تنتهي صلاحية وجودي في هذه الحياة قبل أن أوفر مسكنا أمتلكه. ولكن هذا الامتعاض لم يعجب بعض الأخوة الذين قالوا إن الامتعاض من قرارات الحكومة يتناسب عكسيا مع الوطنية، وإن الوطني الحق هو الذي يعجبه أي شيء يأتي من الأعلى.
وقد كدت أمتعض من حديثهم هذا أيضا ولكني قررت ألا أفعل حتى لا أبالغ في الامتعاض فيتحول إلى شيء آخر كما تفعل كل الأشياء التي تمر عبر فلتر المبالغة.
ابتسمت لهؤلاء حتى بدت ضروس العقل خاصتي، حتى أبين لهم أني غير ممتعض من حديثهم الوطني الشائق، وقلت لهم أيها الأحبة ـ وهي كلمة استخدمها حين أتحدث مع من لا أحبهم ـ إني أقدر كثيرا وطنيتكم ومحبتكم للوطن، ولكني كما تعلمون شخص لا أحب المبالغة حتى في الأشياء الجميلة، لأن أي إنسان يتقبل فكرة أن يقل دخله وتزيد الأسعار ويعتبر هذا شيئا جميلا يحتاج إلى علاج نفسي قبل أي شيء آخر، والحق أيها الأحبة أن آخر ما يحتاجه الوطن هو مواطن معتل نفسيا.
حتى الحكومة يجب أن تتوجس خيفة من مواطنين يتقبلون زيادة الرسوم والضرائب وغلاء الأسعار ويؤلفون من أجلها القصص، ويلوون من أجلها أعناق النصوص، لأنهم ليسوا بشرا طبيعيين.
وعلى أي حال..
فكرة الصبر وتحمل المشقة فكرة جميلة، لكني لا أتحدث عن الصبر ولا عن الصابرين، أتحدث مع فئام من الخلق تكاد تحتفل كلما سمعت بضريبة جديدة أو رسوم في الطريق أو بسعر يرتفع، وتعتبر ذلك من كمال الوطنية. وهي مبالغة تجعل من الوطنية شيئا سيئا لا أريد أن أذكره.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/19