«المؤسسات الوطنية» وتحويلها لماكنات «تخوين»
هاني الفردان
في (25 مايو/ أيار 2012)، فاجأت في ذلك الوقت رئيسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لورا ديبوي لاسير، الوفد الرسمي البحريني بجنيف، حين طالبت بأن تضمن حكومة البحرين حماية أعضاء الوفد الأهلي البحريني، المشارك في جلسات الاستعراض الدوري الشامل للبحرين، بعد عودتهم إلى بلادهم، وذلك على إثر التهديدات التي وُجهت لأعضاء الوفد في تقارير إعلامية، على حد قولها.
ورداً على ذلك، رد رئيس الوفد البحريني في ذلك الوقت أيضاً وزير حقوق الإنسان صلاح علي بالقول: «ليست هناك أية جهة تهدد أي شخص، سواء كان مشاركاً في هذا الاجتماع أو غيره من منظمات حقوق الإنسان، والكلام الذي تفضلتِ به عارٍ عن الصحة، مع أننا نؤكد في هذا المجال على احترامنا حقوق الإنسان، ويوجد هنا في هذا المكان من يمثل جمعيات المجتمع البحريني وجمعيات حقوق الإنسان، وهم ينتقلون بكامل حرياتهم من بلد إلى آخر ومن مكان لآخر من دون مصادرة لأي حرية من حرياتهم. وأنا أؤكد على هذا الكلام وأبينه للمجلس».
ذلك الحديث حفظه التاريخ، نعيده حالياً للحديث عن مؤسسات وطنية يبدو أن زمام أمورها ستسلم لشخصيات تصف الوفود الأهلية والنشطاء الحقوقيين المعارضين للسياسات الرسمية بـ»الخونة»، وفي وصف وتعبير يجافي مفاهيم حقوق الإنسان والأعراف والمعايير الدولية.
في تصريحات موثقة قيل: «نحن نساند إجراءات المملكة تجاه هؤلاء الأشخاص لأنهم ليسوا بحرينيين، والشخص الذي يريد إدانة بلده في المحافل الدولية لا يسمى حقوقيا هذا خائن، لا يوجد في العالم مواطن يريد إدانة بلده في المحافل الدولية، أما من يرغب في الإصلاح فهذا هو المواطن الحقيقي وهذا لا يوجد لدينا إشكالية معه، ومن حقه أن ينتقد داخل البحرين، أما من يعمل على إدانة المملكة ويصرح بذلك فبمجرد التصريح هذا يؤكد أنك لست مواطنا له ولاء للبلد». (صحيفة محلية 9 يوليو/ تموز2016).
شخصية بهذه اللغة «تخون» الآخر، وترفض تحركاته، ولا تؤمن بحقوق الآخرين في التحرك والتعبير عن آرائهم وفي التواصل مع العالم الخارجي، وفي انتقاد سياسات بلدهم من أجل إصلاحها وتعزيزها، لن تطور عمل أي مؤسسة، ولن تقدم أي جديد فيها، بل ستعمل على تعميق جراحها، وزيادة تراجعها، والإسراع من سقوطها، وعدم نيلها أي اعتراف دولي، حتى وإن ادعى أنه قادر على ذلك.
الحكومة نفت عن نفسها، ورفضت ما قيل عن أنها تهدد نشطاء حقوق الإنسان، والوفود الأهلية التي تشارك في المؤسسات والمنظمات الدولية على أنهم ممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني.
كيف يمكن لأي مؤسسة وطنية سواء كانت حقوقية أو غيرها، أن تحمل لواء الإصلاح، والمصالحة وحفظ حقوق الإنسان وتعزيز القيم الإنسانية، أن تحمل في طياتها لغة «تخوين» الآخر، أن يتسلم زمام أمورها، من يعتقد أن من يختلف معه في الأساليب والعمل هو «خائن» وليس ابنا للبلد!
كلنا يعلم أنه وبحسب ما تنص عليها مواثيق الأمم المتحدة، فإن المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدني جزء لا يتجزأ من مجلس حقوق الإنسان باعتبارها هيئات لها صفة المراقب في المجلس.
تلك المؤسسات وتلك المنظمات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، في نظر البعض عندما تنتقد الأوضاع الحقوقية في بلدانها،»خونه لبلدانهم»، هذه النظر القاصرة والمريضة لا يمكن أن تولى زمام مؤسسات وطنية سيقال عنها أنها تعمل على تعزيز مبادئ حقوق الإنسان، أو غرس ثقافة التعددية والتسامح المجتمعي، بل ستعمل على تعزيز الانقسام وإشاعة لغة «التخوين».
من أجل إصلاح تلك المؤسسات الوطنية، وتصويب مسارها، ووضعها على الطريق الصحيح، لتنال ثقة الناس أولاً، والعالم ثانياً، وحتى تنال أي اعتمادية، تحتاج لتكون فعلاً «مستقلة» في قرارها وعملها ورأيها، وان تكون محايدة، ونزيهة وصادقة مع نفسها قبل غيرها، وأن تسلم لشخصيات تحظى بقبول الجميع، وتقف على مسافة واحدة بين الفرقاء، تمارس دورها بمهنية واحترافية، لا تنتهج «تخوين» أحد، ولا تستعدي أحدا، همها الأول والأخير تحقيق أهدافها وتعزيز مفاهيمها، لا أن تسترضي طرفاً على طرف، بل العمل على تعزيز المفاهيم والحقوق الإنسانية، بعيداً عن التخوين.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/22