أحوال النساء
هالة القحطاني
حين تفكر أي جهة خدمية في تقديم خدمة للناس، والتي تعد من صميم عملها وليست تطوعا، عليها ألا تهينهم بأي شكل من الأشكال، بل ينبغي أن تكون الخدمة وما حولها عالية الجودة
منذ ما يقارب السنوات العشر، تم رفع 73 توصية من مبادرة الطلاق السعودي إلى مجلس الشورى، كانت المبادرة تطالب بتشريع يضمن حماية حقوق الزوجة والأبناء بعد الطلاق، بعد أن أخذت صاحبة المبادرة الأستاذة هيفاء خالد على عاتقها، ضمان تأييد من جميع الوزارات التي لها علاقة مباشرة بتنفيذ أحكام ما بعد الطلاق.
ومن باب التذكير، كان من أبرز تلك التوصيات مطالبة الجهات المختصة بإصدار عقدي نكاح طبق الأصل، ليتسنى للزوجين الاحتفاظ بنسخة منه، منذ بداية عقد القران. ومطالبة بتأسيس جمعية وطنية لشؤون المطلقات وقضايا ما بعد الطلاق، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد إجازة طلاق رسمية للمرأة، تستمر لمدة ثلاثة أيام، ضمن أنظمة العمل، أسوة بإجازة الزواج والوفاة والولادة، وضرورة تغيير وصف الحالة الاجتماعية للمرأة المطلقة في الأوراق الثبوتية، من مطلقة إلى عزباء أو غير متزوجة. وكشفت الأستاذة هيفاء أثناء سعيها الجاد في بعض الأماكن الخدمية، ردة فعل بعض الذكور الذين كانوا مقتنعين جدا بأن المطلقات ليس لهن حقوق، سواء طلبن الطلاق أو طُلقن من أزواجهن، ففي كلتا الحالتين يرون بأنه ليس لها حق في أي شيء، لأنها خرجت عن ذمته. كنت من الذين شاركوا خلال تلك الفترة، وطالبت بضرورة منح المرأة المطلقة سجل أسرة يضم أبناءها، بدلا من أن يعيدها نظام الأحوال القديم إلى بطاقة والدها المتوفى، في واحدة من الممارسات المجحفة التي كانت تُحدّث هوية الرجل في قبره، دون أن تعطي الحق للمرأة على قيد الحياة، بالحصول على سجل أسرة خاص بها، يثبت أمومتها ومعلومات أبنائها الرسمية.
واليوم وبعد ٩ سنوات، أصبح جزء من تلك المعاناة ماضيا، وأصبحت الهوية الوطنية متطلبا، وسجل الأسرة من حق كل أم.
ولكن.. حين تفكر أي جهة خدمية في تقديم خدمة للمواطن، والتي تعد من صميم عملها وليست تطوعا، عليها ألا تهينهم بأي شكل من الأشكال، بل ينبغي أن تكون الخدمة وما حولها عالية الجودة، فلن يشعر أي إنسان بقيمة الخدمة، إن لم تقدم له بطريقة مريحة ومرضية، دون أن تكبده عناء الذهاب والعودة، أو الوقوف مثلا في طابور طويل، كي ينحني ليتحدث مع موظف الأحوال من وراء حاجز زجاجي عبر فتحة في مستوى بطنه، ليأخذ فقط ورقة أو نموذجا للتعبئة!
وحين تضع الأحوال المدنية للنساء بالذات أفرعا في مناطق المملكة لتخدمهن، عليها أولا أن تتأكد من توفير بيئة مريحة في تلك الأفرع، تعين السيدات في أماكن الانتظار، وتستوعب احتياجاتهن. فمثلا لم تفكر الأحوال المدنية في منح المرأة مزيدا من الصلاحيات على حسابها في أبشر، بحيث يتاح لها إدخال معلوماتها في نماذج إلكترونية، تُقدم على الموقع، قبل الذهاب إلى الموعد من أجل توفير الوقت، وبدلا من إدخاله يدويا. فحين تراجع المرأة في عام 2014 الأحوال المدنية، ينبغي أن تشعر بأنها في نفس الزمن، من ناحية المستوى التقني لإنهاء الإجراءات. فما الفائدة من التصريح في الصحف بأن الأحوال تصدر سجل أسرة للأم، بينما لا توفر مواعيد تغطي طلباتهن؟
فحين تحاول النساء في منطقة مثل المنطقة الشرقية حجز موعد، قد تقضي من ثلاثة أسابيع إلى أكثر من شهر، دون أن تجد مواعيد متاحة، واخترت الشرقية لأنني اختبرت فاعلية النظام بنفسي، وحاولت مع كل الفروع في المنطقة الشرقية، وتواصلت مع موظفي خدمة العملاء الذين حاولوا حجز موعد للتأكد بأنفسهم، وكانت النتيجة عدم توفر مواعيد في جميع الأفرع.
الأمر الغريب، حين نزور فرعا جديدا جدا ومهيأ مثل فرع كورنيش الخبر، نجد الفرع ليس مزدحما في وقت الذروة العاشرة صباحا، لندرك بأن هناك خللا في نظام حجز المواعيد. وحين تتواصل مع موظفات الاستقبال، وتشرح مشكلة عدم توفر مواعيد، لا يوجد لديهن صلاحية، لمنح مواعيد من الفرع، أو الرفع للإدارة بهذه المشكلة، بل على السيدات تدبير أمرهن. اضطررت في تلك الفترة، إلى الإرسال لخدمة العملاء على تويتر، فجاء الرد (أرجو تزويدنا بالاسم ورقم الأحوال وتاريخ الميلاد ونتشرف بخدمتكم)، وحين أخبرتهم بأن جميع الأفرع النسائية في الشرقية لا يتوفر بها مواعيد، جاء نفس الرد (أرجو تزويدنا بالاسم ورقم الأحوال وتاريخ الميلاد والخدمة ونتشرف بخدمتكم)، وحين كررت شرح المشكلة، جاء نفس الرد السابق!
الأمر الثاني، الطريقة البدائية التي يتم فيها التأكد من المعلومات على النماذج، فهل يعقل أن تبصم المرأة مرتين بالحبر، مرة على المعلومات ومرة على الاستلام، دون الاكتفاء بالتوقيع والتحقق من هويتها على جهاز البصمة. ولربات البيوت عبارة إضافية ملصقة كتعهد، بأنها لا تزاول أي مهنة، وتبصم فوقها، إذن ماذا يفعل جهاز البصمة؟ وهل يتم التأكد هكذا من هوية الرجل، أم المسألة ثقة؟
الشيء الآخر، حين سألت لماذا لا توجد صورة الأم على السجل؟ استغربت من رد الموظفة التي قالت «كي يتسنى للأم المراجعة بها، دون أن يرى الرجال صورتها، فبطاقة الأسرة تحافظ على الخصوصية»، لا أدري كيف رأتها خصوصية، وأنا رأيتها ثغرة أمنية، ففي حالة ضياع البطاقة، تستطيع أي امرأة الادعاء بأن البطاقة لها، فقالت الموظفة في هذه الحالة سيطلبون منها بطاقة الأحوال الشخصية، وعندما ذكرتها بأن بطاقة الأحوال بها صورة المرأة ابتسمت. فما الذي تحاول الأحوال توصيله هنا، بأنها صرفت سجل أسرة والسلام، والله حالة.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/04/23