آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عباس عاصي
عن الكاتب :
كاتب لبناني

السعودية ومواجهة إيران في منطقة الشرق الأوسط


عباس عاصي

لم يشهد التاريخ الحديث صراعا في منطقة الشرق الأوسط أن قسمها إلى قسمين مثل الصراع الإيراني السعودي. هذا التنافس على النفوذ والهيمنة رافقته وساندته سياسات متعددة ومتنوعة امتدت من خطاب طائفي تحريضي إلى خطاب وطني وقومي عربي. تنوّعت استراتيجيات السعودية في المواجهة مع إيران. فحين تقتضي الحاجة تستخدم خطابا طائفيا وأحيانا أخرى خطابا قوميا عربيا. بعيدا عن مسببات هذا الصراع، هذا التنوع والارتباك في أساليب المواجهة يدل على ضعف في قدرة السعودية على مواجهة خصومها وفرض هيمنتها على المنطقة.

تسعى الدول عادة إلى تحسين شروط المواجهة مع خصومها من خلال تحسين قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية لا من خلال التحريض المذهبي. ذلك أن الخطاب المذهبي قد يرتد سلبا عليها. فعندما تلجأ دولة ما إلى الخطاب المذهبي فهي تمد الجماعات المتشددة بالحجج والإمكانات كي توسع من قاعدتها الشعبية. هذه الجماعات كما أصبح معلوما لن تقبل بأي تراجع للدولة عن مواقفها المتشددة وإلا سوف تعتبر مرتدة ومخالفة لمبادئها. مما قد يدفع هذه الجماعات إلى أن تعاديها وقد تلجأ إلى العنف بغية استبدالها أو دفعها للعودة إلى مواقفها السابقة.

يمكن لنا أن نميز ثلاثة استراتيجيات اعتمدتها السعودية في سبيل مواجهة إيران في المنطقة. الإستراتيجية الأولى هي الخطاب المذهبي الطائفي وهو الخطاب الطاغي على السياسة والإعلام السعودي. هذا الخطاب يوظف لغة طائفية عبر محاكاة الغرائز بغية استقطاب الشارع السني وإضفاء شرعية شعبية على نظام الحكم. استخدم هذا الخطاب بشكل كبير منذ قيام نظام الحكم في إيران عام 1978. سوف يزداد استخدام هذا الخطاب حدة في المستقبل القريب وذلك بسبب صعود الجيل الثاني والثالث للحكم من العائلة الحاكمة والذي يسعى إلى شرعية شعبية تعزز حكمه وموقعه. وذلك بسبب الصراع الدائر اليوم في أروقة الحكم السعودي بين أبناء وأحفاد الملك السعودي الراحل عبد العزيز آل سعود.

الإستراتيجية الثانية هي الخطاب القائم على تحريض أبناء الوطن الواحد على بعضهم كي تضعف حلفاء إيران داخل هذه الدول. استخدمت هذه الإستراتيجية بشكل واضح وعلني في لبنان. بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب القوات السورية سعت الرياض إلى أضعاف حزب الله، حليف إيران في لبنان. مثلا موّلت الانتخابات النيابية اللبنانية عام 2009 بحوالي مليار دولار حسب ما ذكرت جريدة النيويورك تايمز لضمان فوز قوى 14 آذار الحليفة وهزيمة حزب الله وحلفائه. على الرغم من ذلك فاز حزب الله في الانتخابات النيابية ودخل الحكومة وحصل على الثلث الضامن فيها. هذه الإستراتيجية ساهمت في تأجيج الصراع الداخلي اللبناني وتوسعة الشرخ بين السنة والشيعة، وهذا الأمر ينطبق أيضا على الصراع الدائر في العراق بين السنة والشيعة.

الإستراتيجية الثالثة هي استخدام الخطاب القومي العربي. استخدم هذا الخطاب خلال فترة المواجهة مع إيران منذ العام 1978 بنسب متفاوتة. لم تعتمد السعودية على هذا الخطاب إلا قليلا. وقد يعود ذلك إلى وجود دول تخاصمها في المنطقة أي النظام السوري والعراقي والتي تحمل خطابا عروبيا قوميا. إلا أن انهيار النظام العراقي ونشوب الحرب السورية أمّن للسعودية المساحة الكافية لاستخدام هذا الخطاب خصوصا مع غياب أي طرف عربي أخر يحمل هذا المشروع. المفارقة أن الحكم السعودي عُرف تاريخيا بعدائه لتوجهات عبد الناصر العروبية وكان من دعاة الوحدة الإسلامية لمواجهة المد العروبي الناصري.

استخدم الخطاب القومي العربي من قبل السعودية أيضا في حربها على اليمن. فقد دخل أدبيات السياسة الخارجية السعودية بشكل غير مسبوق. بررت الرياض الحرب على اليمن بحجة حماية عروبته ومنع التمدد الفارسي علما أن الحرب السعودية لها أسباب خارجية وداخلية أيضا. فلا يمكن فهم أسبابها من دون قراءة الصراع الدائر حاليا بين الأبناء والأحفاد على سدة الحكم والذي يسعى كل واحد منهم للشرعية والشعبية وإبراز نفسه كرجل دولة وقائد عسكري قادر على إدارة شؤون المملكة.

المفارقة أن السعودية لم تنجح في منع تمدد نفوذ إيران في المنطقة أو العالم على الرغم من الأموال التي صرفتها بغية تحقيق هدفها. فإيران استطاعت أن تحرز تقدما في مفاوضات ملفها النووي. وأما الإرهاب والتهويل من المد الإيراني لم يمنع طهران من تعزيز نفوذها وفي المقابل لم يعزز من نفوذ السعودية في المنطقة.

في العراق مثلا استطاعت إيران ان تتدخل عسكريا بعد أن دعمت السعودية ولو ضمنيا احتلال داعش لمناطق واسعة من البلاد. في سوريا استعان النظام بمستشارين إيرانيين لمواجهة المعارضة المسلحة المدعومة من السعودية ودول عربية وأجنبية أخرى. بمعنى أخر تدهور الدور الإقليمي للسعودية أعطى هامشا أوسع وحرية أكبر لإيران لتعزيز نفوذها.

إن ضعف الرؤية السياسية والصراع السياسي الداخلي السعودي ساهما في إضعاف دورها الإقليمي وتقوقعها خلف خطاب مذهبي خسرت بسببه شعبيتها لدى شريحة واسعة من العرب. مثلا الحرب على اليمن التي شنت تحت ذريعة منع التمدد الإيراني كلفت السعودية مليارات الدولارات وأضعفت من موقفها الإقليمي والدولي بسبب الجرائم التي ارتكبتها ناهيك عن المجازر والدمار الذي سببته بحق الشعب اليمني المظلوم.
كاتب لبناني
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد