آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد سعيد آل درمة
عن الكاتب :
مستشار شركة خدمات تعليمية وتدريبية_عضو الجمعية السعودية للإدارة وجمعية جستن_كاتب في صحيفة أنحاء الإلكترونية_ماجستير إدارة مالية_بكالوريوس إدارة مشاريع- مدونتي

فقر مدقع في أروقة مدارسنا


 محمد سعيد آل درمة

من منا لم يسمع يوماً عن قصة وأكثر تهتز لها المشاعر وتنفطر لها القلوب وتذرف لها العيون دموعاً وألما لطلاب في مدارسنا يعيشون ظروف عائلية صعبة من فقر وعوز وحاجة تؤثر سلباً على نفسياتهم وبناء عقولهم وتكوين شخصياتهم وتنعكس بالتأكيد على تحصيلهم العلمي وتدخلهم في دوامة النظرية الاقتصادية نظرية (الحلقة المفرغة للفقر) التي تقول بأن انخفاض دخل الأسرة يؤدي إلى انخفاض مستوى التغذية وانخفاض المستوى الصحي وهذا يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الإنتاجية وبالتالي إلى انخفاض مستوى الدخل ومن ثم العودة إلى حيث بدأنا والطالب بلا شك فرد من أفراد الأسرة وسيتأثر حتماً

قصص كثيرة نقرأها ونسمع بها يرويها لنا معلمين أفاضل تدور أحداثها في أروقة مدارسنا أروي لكم عدداً يسيراً جداً منها:

معلم يقول:“أزعجني الاستئذان المتكرر لأحد الطلاب إذ يخرج من الصف ليعود بعد دقائق مما جعلني أشك في أمره وذات يوم رفضت خروجه فألح عليّ فسمحت له وخرجت أتبعه من دون أن يشعر فذهب خلف الفصول وهنا بدأ الشك يكبر في نفسي أسرعت خلفه وإذا بطالب آخر ينتظره وحين وقفت أمامهم وجدته يخلع حذاءه الرياضي ليعطيه ذلك الطالب ويأخذ منه حذاءه المهتري وحين سألتهم عن السبب سكتا ولم يجيبا وعندما ألحيت عليهما قال طالبي إن هذا أخي ولا نملك إلا حذاء رياضياً واحداً ونحن نتبادل إرتداءه إذا كان لدى أحدنا حصة رياضة”

ومعلم آخر يقول:“كنت منزعجاً من تكرار معانقة طالب لي بسب وبدون سبب وكنت أتحدث مع أحد المعلمين عن هذا الانزعاج فما كان منه إلا أن أطرق برأسه متأثراً وسرد لي حكاية هذا الطفل الذي لم أكن أعلم بحكايته لأنني حديث عهد بالمدرسة فيقول الطالب فقد أبوه وأمه قبل أشهر إثر حادثة مرورية فأصبح الطفل يتيم الأب والأم وكان عناقه المتكرر لك بسبب اشتياقه لوالديه”

ويروى معلم حكاية غريبة لأحد الطلاب قائلًا: “كنت مناوباً في الفسحة وأتجول بين الطلاب فسمعت صراخاً ورأيت شجاراً بين طالبين وعلى الفور وصلت للطالبين وبعد حل المشكلة ومصالحتهما قررت أن أتحدث منفرداً مع الطالب الذي بدأ الشجار لمعرفة سبب عصبيته وبعد إلحاح علمت أن الطالب الآخر رفع ثوبه قليلاً وسألته لماذا كل هذا الانفعال فالموقف لا يستدعي كل هذا الغضب فأطرق برأسه وسكت وحين ألحيت عليه بأن يجيبني رفع ثوبه ليريني ملابسه الداخلية التي كانت تخص أخته وحين سألته عن سبب ارتدائه لها قال نحن فقراء وأبي مسجون وليس لديَّ ملابس داخلية إلا قليلة وكانت متسخة وخفت أن يرى الطلاب ملابس أختي فيضحكون عليَّ”

وقصة أخيرة تقصها مديرة مدرسة تقول:”أثناء تفتيش دوري تجريه إدارة المدرسة رفضت إحدى الطالبات تفتيش شنطتها أمام زميلاتها في الفصل فأخذتها لمكتبي وفتحنا شنطنتها بعد أن ظننا بها السوء فما وجدنا سوى باقي فطور الطالبات تجمعه وتأخذه إلى منزلها لتأكله هي وإخوانها لأنهم فقراء”.

وبعد سرد مثل هذه القصص الحقيقية التي يعاني منها أبنائنا في مدارسنا وبين ظهرانينا أوجه رسالة ليس لوزير التعليم ولا إلى وزير العمل والشؤون الاجتماعية ولا الجمعيات الخيرية بل أوجهها لكم يامعشر المعلمين ياﻣﻦ تبنون أﻣﺠﺎﺩ الأﻣﻢ ومفتاح النجاة والنجاح لهذا الوطن وأبنائه ياورثة الأنبياء والرسل أنتم من أعترف بفضلكم العلماء ونظمت فيكم أبيات الشعراء فهذا شوقي يقول فيكم:
قم للمعلمِ وفه التبجيلا                كاد المعلم أن يكون رسولاً
أعلمت أشرف أو أجلَّ من الذي     يبني وينشئ أنفساً وعقولاً

رسالتي لكم على وجه الخصوص فتشوا وفقكم الله عن مثل هؤلاء الطلبة من فقراء وأيتام ومساكين وابحثوا في ظروفهم وأحوالهم وتلمسوا متطلباتهم واحتياجاتهم  وأزرعوا فيهم القيم والأخلاق الإسلامية السمحة التي تعينهم على مواجهة ظروفهم وفقرهم وأصنعوا منهم رجال وأبطال حتى لا يكونوا ضحية لقسوة المجتمع وتفككه ومن ثم عالة عليه فأن لم تفعلوا ذلك فمن غيركم سيفعل أفعلوا رعاكم الله ولا تنتظروا من أحد جزاءً ولا شكورا

وأنا أكتب هذا المقال تذكرت قريب لي رحمه الله رحمة واسعة ووالده ووالدينا جميعاً توفي في حادث سير أثناء عودته من مكة إلى مدينة جدة التي كان يعمل فيها معلماً ومن باب أذكروا محاسن موتاكم ذكر لي قريب إنه كان يصرف قدر كبير من راتبه على أيتام المدرسة وإعانة الطلاب الفقراء والمحتاجين وتقديم الجوائز والهدايا للمتميزين ولم يعرف عنه تلك الخبية إلا بعد وفاته حين فقده الأيتام وخبروا عنه
“لو كان الفقر رجلا لقتلته” قاتل الله الفقر وحمانا وإياكم منه وبالشكر تدوم النعم.

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2017/05/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد