إبر مخدرة
هالة القحطاني
البيروقراطية في وزارة العمل ما زالت تنتظر دواء يقضي عليها إلى الأبد. وقضية العاملة السعودية جعلتني أدرك لماذا لا يجد كثير من الموظفين المفصولين تحت بند 77 أي حل
حين ترى البؤس يمشي أمامك على الجانب الآخر من الطريق، لا تفكر أبداً، في أنه لن ينتبه لعينيك تتبعه، بل سيحاول إخفاء نفسه وتعاسته، حتى لا تجرحه نظراتك النهمة، التي تحاول دائماً أن تتبين حجمه فضولاً فقط. وإذا بررت بأن تلك النظرات، كانت تبحث عن منفذ لمد يد المساعدة، فالأجدر بك أن تساعد دون مسحة إذلال، ودون أن تتسلى بمواجع الآخرين، فقط لأن فأر فضولك الجائع، كان يلتهم نفسك الضعيفة. فمساعدة الآخرين لا تحتاج منك، إلا أن تكون إنسانا أكثر، وتبدي شيئا من المروءة، فكثير من الناس لن يشعروا بمجهودك إن غمسته بشيء من التجريح.
كتبت فيما سبق عن معاناة أم عاملة سعودية، تم إنهاء عقدها في لحظة، بحجة هبوط سعر النفط منذ سنتين، من إحدى الشركات الريادية في المنطقة الشرقية، حيث وعدها المدير التنفيذي للموارد البشرية آنذاك، بأنه يحق لها أن تعاود التقديم على وظيفة في نفس الشركة بعد 18 شهرا، وحين فعلت بعد انتهاء المدة تجاهلها المدير، وحولها إلى مسؤولة أجنبية، فعلت بالمثل، إلى أن تراكمت ديونها وتردت أحوالها وأصبحت في الشارع، دون وظيفة أو منزل.
تسلمت بعد ذلك المقال رسائل تفيض بالإنسانية، من ثلاثة أشخاص، رجلين وامرأة، كتب الرجل الأول، أنه لا يملك واسطة لإعادتها إلى عملها، ولا يملك إلا أن يسعى لها كي تجد وظيفة، والرجل الثاني كان يريد أن يقف معها ويزودها بمساعدة مالية، أما المرأة فباحت لي بمشاعر العجز التي تملكتها، وطردت النوم عنها تلك الليلة، بسبب وجودها في الغربة للدراسة، وكيف كانت تتمنى لو كانت داخل المملكة لتساعدها.
وكل تلك الرسائل التي أبدت الكثير من المروءة، أظهرت أيضاً أن الخير باق في زمن أصبحت فيه غالبية الناس لا تساعد إلا الأثرياء والنافذين، وتتجاهل المحتاجين حقاً والمظلومين.
والحقيقة أعترف بأنني تلقيت أيضاً مكالمة من ممثل وزارة العمل، جعلتني أشعر بالأمل وشيء من التفاؤل. ولكن يبدو أنه ما إن خرجت المشكلة إلى يد المسؤولين لحلها، حتى تعثرت لتغرق في بيروقراطية عقيمة، لا تصلح أبداً لفترة التحول الحالية، ولم ترتق إلى طموح المواطن، ولا أي شيء آخر سوى نفس أجواء وزارة العمل في الثمانينات.
ففي اليوم الأول، وبعد تفاعل وتجاوب ممثل الوزارة، وتحويل المشكلة، إلى القنوات المسؤولة في المنطقة الشرقية، اتصل شخصان على التوالي من مكتب العمل، أحدهما سأل الموظفة المتضررة عن موقع الشركة التي أنهت عقدها، والآخر سألها إن كانت الشركة تتبع مكتب الدمام أم الخبر؟
في اليوم التالي، تلقت الموظفة المتضررة، عشرات الاتصالات، من عدة موظفات يمثلن أقساما متفرقة، فطلبت مسؤولة الموارد البشرية من السيدة، أن تعيد كتابة السيرة الذاتية وتقدمها لهم بطريقة معينة، لتبدأ رحلة البحث عن وظيفة، ثم اتصلت موظفة أخرى وطلبت منها أن تعيد كتابة السيرة الذاتية، بطريقة أخرى عكس الطريقة الأولى، لتبدأ رحلة البحث عن وظيفة، ثم اتصلت الموظفة الأولى، وطلبت من السيدة أن تزور مركز طاقات والموارد، وحين فعلت طلبت منها موظفة أخرى هناك أن تجري بعض التعديلات على السيرة الذاتية للمرة الثالثة، لتبدأ رحلة البحث عن عمل.. بطريقة توحي كل مرة بأنها رحلة ممتعة أسهل من رحلة الذهاب إلى الشاطئ!
ويبدو أن موظفة الموارد، تجاهلت ما حوته تلك السيرة الذاتية، حين طلبت منها حضور ورش عمل تُقيّم بمستوى مبتدئ، مقارنة بمستوى التدريب والخبرة التي تملكها السيدة المتضررة. فقط لأن عليهن تطبيق ذلك بشكل آلي، مع العلم أنك لو تمعنت لاكتشفت أن المتضررة لا تحتاج إلى حضور كل تلك الورش والمحاضرات. وللأسف، أغفلت غالبية الموظفات نقطة أن السيدة لا تملك مالاً، كي يتقاذفن قضيتها بالطريقة التقليدية، بين طاقات والموارد البشرية، ويكبدنها عناء فوق عنائها، لحل مشكلتها دون أدنى اعتبار لوضعها المالي، مع أن موظفة واحدة تستطيع القيام بكل تلك الخطوات باستخدام الهاتف، ولكن البيروقراطية في وزارة العمل ما زالت تنتظر دواء يقضي عليها إلى الأبد. وقضية مثل تلك كانت كافية لتجعلني أدرك الآن لماذا لا يجد كثير من الموظفين المفصولين تحت بند 77 أي حل ملموس من العمل.
السؤال، هل تملك الوزارة حقاً إجراءات واضحة ومكتوبة، تتناول الخطوات المتبعة في مثل تلك القضايا، أم الأمر مجرد إبر مخدرة، تحقن في أذن المتضرر دون أن تعالجه. لأن ما لمسته في هذه القضية وقضايا شبيهة مختلفة، يكشف عن خلل في عملية التواصل والمتابعة واتخاذ القرار والتنفيذ بين موظفي القسم الواحد.
وقبل أن أنهي هذا المقال، أترك وزارة العمل مع بعض الأسئلة، التي أتمنى أن أجد لها إجابة. كيف تعرف الوزارة إن كانت الخدمات التي تقدمها، عالية الجودة أم متدنية؟ وكيف تقيم أداء منسوبيها؟ وهل لديها إجراءات تفصيلية مدونة تُتبع لكل قضية؟ وهل هناك مدة زمنية محددة لإنهاء كل معاملة أم المدة مفتوحة إلى اللانهاية؟
ثم كيف تتوقع الوزارة أن تطور من أدائها، والمراجع لا يملك أداة أو وسيلة لتقييم الخدمة في مراكزها؟
والأمر الأهم، متى يبدأ صباحكم في فرع الشرقية، الساعة الثامنة أم الحادية عشرة؟
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/05/07