البيئة والأخلاق
هالة القحطاني
حين تلج مركز خدمات لأي وزارة، قلما تجد موظفا يبتسم، فما أن تقف أمامه، يتجاهلك تماما، وإذا سألته بكلمة يجيبك سريعا «صبر صبر»
حين تكون في قطاع يقدم الخدمات ويستقبل الجمهور، فتأكد بأن أخلاقك وتعابير وجهك يمثلان هذا القطاع، فالأحرى بك أن تترك مزاجك في البيت، بدلا من أن تصحبه معك كل صباح، لتؤذي به المراجعين، الذين لا يعرفون لماذا تعبس في وجوههم وأنت تقوم بواجبك، بتقديم الخدمة، مع أنك تراهم للمرة الأولى.
وإن كنت رئيسا لإحدى المنصات الحكومية أو الخاصة التي تقدم خدمات للجمهور، فوجودك في مكتبك أغلب الأوقات أو تأخيرك المبرر في الصباح لأنك رئيس، لا يعتبر من مهارات القيادة، على قدر ما يكشف عن أسرع عملية فشل تستطيع تحقيقها فترة تكليفك.
البيئة العامة لمكان العمل والأخلاق المهنية، ترتبطان ببعضهما ارتباطا متناغما وتنعكسان إيجابيا على بعضهما البعض. فلا يمكن أن تجد بيئة عمل متطورة الإجراءات في أبنية ذكية، لا يوجد بها موظفون يبدعون في أداء واجباتهم بمهنية مرتفعة، ولن تجد جمهورا أو مراجعين يتذمرون فيها من طول الإجراءات أو الانتظار.
ولكن حين تدخل أقسام الخدمات النسائية على سبيل المثال، (الأحوال، الجوازات، المحاكم) تصدمك البيئة العامة الكئيبة للمكان، فتجد أغلب أثاث تلك الأقسام قديما رثا لا يصلح للاستخدام، وتلفت نظرك كثافة الملصقات على الجدران التي تبث مواعظ دينية، تذكرك بنفس ملصقات نشاطات المدارس، وتلفاز معلق وسط الحائط لم يكن مغلقا، ستجده مثبتا على قناة القرآن الكريم، خاصة في أماكن انتظار النساء، وحين تتابع سير العمل والإجراءات بين الموظفة والعميلة، تجد أغلب الموظفات يتناولن أوراق المعاملات من نافذة صغيرة في مستوى بطن العميلة، بوجه متجهم وكأن بينهن خلافا سابقا، ما يبين ضعفا وقصورا واضحا في ثقافة التواصل التي تتبناها تلك المنشأة.
وحين تدخل أقسام الرجال تجد أجواء أخرى، بعضها يحوي أثاثا فخما أو معقولا نسبيا، ولكن تعاني قلة المهنية، حيث أصبح الموظف لا يبالي إن دخل عليه المراجع، وفمه ممتلئ بالطعام، ولا يخجل إن تناثر من فمه بعض الفتات على أورق ومعاملات الناس وهو يتحدث إليهم. بل أصبح المراجع عليه أن يتفهم بأن الموظف يفطر. ومسألة الإفطار أمام المراجعين تلك ما زالت واحدة من أكثر العادات السلبية التي تنم عن عدم الاحترام، وفي نفس الوقت مقدسة في الكثير من الإدارات الحكومية وحتى الخاصة.
لم أجد مبررا لأي جهة حكومية تستقبل مراجعين أن لا تطور من خدماتها ومن آليتها في استقبال معاملات الجمهور، فمسألة «تصريف» العميل لإزاحته من الطابور، أقل ما يمكن أن يحدث، من موظف محبط، يشعر بأنه يتفضل على الآخرين، حين يجيب عن استفساراتهم، فقط لأنه لم يتسلم أية علاوة منذ سنوات مثلا.
فحين تلج مركز خدمات لأي وزارة، قلما تجد موظفا يبتسم، بل أغلبهم لا يعرف كيف يستقبلك بابتسامة قبول واحترام، فما أن تقف أمامه، يتجاهلك تماما، وإذا سألته بكلمة يجيبك سريعا «صبر صبر»، فعليك مثلا أن تقرأ أفكاره، وتصبر دون أن تعرف متى سيفتح فمه، ويمن عليك بالإجابة، إن كان طلبك لديه أم لا، بل عليك أن تنتظر وتنتظر، إلى أن ينتهي من قراءة الشاشة أمامه، ثم يجيب على هاتفين أو ثلاثة، ويخرج من على مقعده ويغيب في الداخل، ثم يعود بعد قليل، ليجيب على هاتفه الشخصي، وأنت لا تعرف متى سيرضى عليك ويجاوبك ويسامحك على مقاطعتك له!
مع العلم بأن من يحتاج إلى أن ينمي (مهارة الصبر)، هو الموظف الذي يقدم الخدمة وليس العميل، فإذا كنت تتعامل مع الجمهور بشكل يومي، فينبغي عليك أن تمرن صبرك، في إعطاء الوقت المناسب لفهم احتياجات العميل. وتدرب نفسك على (مهارة التواصل بوضوح)، ومناقشة الطلب المطروح أمامك بشكل عملي، فالعميل لا يهمه أن يعرف بأنك لم تفطر، ولا يريد أن يسمع مشاكلك مع عملك أو رئيسك فلا تثقله بها. بل يريد أن يعرف النقاط التي أمامه لإنهاء معاملته، ويهرب من أمام وجهك الكئيب.
عليك أيضا أن تنمي (مهارة المعرفة)، فلا يصلح أن تكتفي بقول (لا أعرف)، بل واجبك أن تكون قادرا على تقديم المساعدة لجميع العملاء، وتقدم حلولا لإنهاء العراقيل التي تتعلق بمعاملاتهم، فإن كنت لا تعرف الأنظمة أو إجراءات العمل، فأنت بكل بساطة لا تصلح لمواجهة العملاء في الفترة الحالية، وواجب رئيسك أن يعي هذا ويقدم لك التدريب المناسب.
وعليك أيضا أن تطور (مهارة اللغة)، فقدرتك على تحسين نمط ونبرة حديثك، ستمكّنك من قطع شوط طويل في إقناع وإرضاء عملائك. فكثير من الأحيان حين يخطئ موظف في استخدام الألفاظ المناسبة، يتسبب ذلك في إحراج كبير للقطاع الذي يعمل به بأكمله. وهذا ما يخلق تلك الصور النمطية السلبية عن قطاعات معينة نعرفها جميعا. وعليك أيضا أن تدرب نفسك على (مهارة التعامل مع المفاجآت) واحتواء الموقف، فبعض العملاء لديهم تجارب سيئة سابقة مع القطاع الذي تعمل به، فحين يأتون إليك يأتون حاملين غضبهم وخذلانهم السابق من الخدمة.
ومن الأخلاق والمهارات المهنية العظيمة المهمة، تقبلك للنقد، فإذا كان لديك الاستعداد لتسمع من الآخرين نقاط الضعف في أدائك لمهنتك، فهذا يعني بأنك فعلا تريد أن تطور نفسك ولديك استعداد للتغيير نحو الأفضل.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/05/14