توثيق مسورات التاريخ
إيمان شمس الدين
لا يخفى على أحد أن المعركة اليوم ليست فقط معركة سياسية أو عسكرية، بل هي معركة وجودية يُراد منها تغيير المستقبل من خلال تزوير الحاضر، هذا التزوير ليس تزوير حكاية فقط وإنما دراية أيضا، الهدف منه مسح كل أثر للأصالة والثوابت، وبناء أصالات وثوابت مزورة تشكل قاعدة للأجيال القادمة تغير من هويتهم ومعالم الانتماء للأرض والوطن، وتحولهم ليس لمواطنين بل لرعايا وأتباع وقطيع.
معالم هذا التغيير في هذه المعركة الوجودية هي :
- تغيير الديموغرافيا ونعني بذلك تغيير التركيبة السكانية، هذا التغيير لا يقتصر فقط على عمل توازنات جديدة مذهبية وطائفية، بل يتعداه لصناعة معالم هوية جديدة تغير من الهوية الأصلية لأهل البلد، بحيث تكون الهوية الجديدة موافقة لهوى الحاكم، ولنا في الفاطميين خير دليل على ذلك، وفي هذه المرحلة توظف كثير من العناوين سياسيا، خاصة تلك العناوين التي تخدم هوى الحاكم وتزور الواقع ليقتنع الرعايا بذلك، كتوظيف العنوان المذهبي أو العرقي أو القومي للقيام بتغيير التركيبة السكانية وفق مقتضيات الحكم .
- هدم كل الآثار والمعالم التي تشير إلى هوية السكان الأصليين، وتحكي حكايتهم وأسرارهم للأجيال القادمة، وهدم معابدهم وكل ما يتحدث عن هويتهم الأصيلة وصناعة معالم جديدة تحكي عن هوية السكان الجدد، والتي تتوافق ورغبة الحاكم. وقد يكون الهدم هنا لا بعنوان مذهبي، بل بعنوان التطوير والنهضة العمرانية، و هدم كل ما لم يتم ترخيصه تطبيقا للقانون، علما أن تجاوزات السلطة فاقت كل التجاوزات، هذا فضلا عن التضييق الذي تمارسه السلطة بمنع مكون من مكونات المجتمع بناء أي صرح ديني يخصه بسبب التكفير أو التمييز المذهبي والديني، كما يحدث في القطيف والإحساء. وكما حدث في البحرين من هدم لدوار اللؤلؤة الذي يحكي تاريخ الثورة. وهدم الكثير من المساجد والمعالم الأثرية التي تدلل على وجود تاريخي لطائفة بعينها.
- تغيير هوية المواطنين وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فعندما تقوم السلطات بتغيير التركيبة السكانية فهي تعمد إلى سحب الجنسية من المستهدفين وإعطائها إلى جدد هي من تختارهم، وغالبا يكونون من خارج محيطها الجغرافي، أي هي تهدم هوية ثقافية بما تحويه من عادات وتقاليد وقيم، وتأتي بهوية أخرى أجنبية على أهل البلد، والهوية الجديدة تخترق المجتمع بكل ما تحمله من عادات وقيم وتقاليد قد يصطدم بعضها بشكل عنيف مع هوية السكان الأصليين وثقافتهم.
ومع التقادم يصبح هناك هوية جديدة، قد تغلب عليها هوية السكان الجدد، وبذلك تندثر الهوية الأصلية وما تحمله من تاريخ وقصص وذكريات وثقافة السكان الأصليين.
هذا الأسلوب استخدمته غالبا السلطات عندما لا تتواءم مع مكونات المجتمع، وعندما تصطدم مع معارضة من أهل البلد الأصليين، سياسية كانت أو اجتماعية وهو ما يعيق هيمنتها ونفوذها على الأرض ومقدرات الشعب.
وهذا ما يحصل حاليا في كل من البحرين والقطيف، وحصل في الكويت سابقا لمواجهة المعارضة السياسية وتغيير تركيبة المجتمع مذهبيا .
وفي العوامية اليوم من خلال الإصرار على هدم حي المسورة وهو حي ايقعزفي قلب بلدة العوامية القديمة، وهو مشيّد منذ 300 عام، ويسمى المسورة لبناء سور حوله، ويعرف لدى أبناء العوامية بتسمية «الديرة» أو «داخل الديرة»، وهو يضم شوارع ضيقة وبيوتاً متلاصقة.
وأجد الحل المناسب في مواجهة هذه المعركة الوجودية يكون من خلال قيام المعنيين والمتخصصين بتوثيق التاريخ وكتابته بدقة، ومناهج علمية توثيقا لا يكتفي بالكتب وإنما توثيق بالصوت والصورة والكتابة وبكل وسيلة، لمنع أي محاولات تغييب للحقيقة التاريخية، ومحو هويات ووجودات اجتماعية وبالتالي تمكين الاستبداد بصناعة تاريخ مزور يمكنه من الهيمنة المستديمة على مقدرات العباد والبلاد.
هذا فضلا عن التصدي لتعليم الأجيال الحالية حقيقة ما يحدث، ورفع منسوب وعيهم بتاريخ أجدادهم وآبائهم خاصة النضالي منه، وطرق مواجهة المناضلين والشرفاء لكل محاولات الاستبداد والهيمنة ونهب مقدرات أوطانهم، و تمييع هويتهم وهدر كرامتهم و ضرب هويتهم وثوابتهم الدينية والثقافية .
*كاتبة كويتية.
مرآة البحرين
أضيف بتاريخ :2017/05/14