العنصرية وما تنتجه من صلف
قاسم حسين
من المؤسف أن تراقب بعض قطاعات الخطاب الإعلامي وهي تنحدر أكثر، وتوغل أكثر وأكثر في طرحها الانعزالي الذي يعمّق الجراح ويزيد في تشطير المجتمع.
خطاب الكراهية والتحريض على بغض الآخر مدانٌ جملةً وتفصيلاً، ولا يمكن تبريره بأية مواقف أو أحداث سياسية سابقة أو حالية، فضلاً عن أنه دعوة تصطدم بالفطرة الإنسانية وتدلّ على خلل أخلاقي كبير.
لا يخلو بيتٌ ولا مؤسسةٌ ولا بلدٌ من خلاف، فقد خلق الله الناس متفاوتي الآراء والأمزجة والعقول، ومحاولة فرض رأي واحد على جميع الناس إنما هو صنفٌ من الجنون، وهو ما يفعله تنظيم «داعش» الإرهابي في المناطق التي احتلها من القطرين العربيين الشقيقين، سورية والعراق. ومن يطالب بتصفية من يختلف معهم سياسياً أو يكرههم، فإنّما هو يصدر عن النفسية المريضة ذاتها التي انطلق منها «داعش» في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة أعوام.
حين داهمت «داعش» العراق وسورية، استخدمت سبل البطش والترهيب والقتل الوحشي، لفرض إرادتها وتصوراتها الانعزالية على هذين الشعبين المتعايشين قروناً بين مختلف الطوائف والانتماءات. وكل هذه «الدعشنة» إنّما كانت تقوم على أفكار انعزالية، تمجّد الذات، وتستهين بوجود الآخر وتطالب بإلغائه من الحياة، ولذلك لم يتحمل العالم انبعاث هذه الفئة التي تجاوزت كل الشرائع والقوانين، فقتلت وأحرقت الأسرى، وسبت واسترقّت النساء، وأعادت سوق النخاسة إلى الوجود.
هذه اللوثة العقلية ليست قصراً على أفراد تنظيم «داعش» الذين تم جمعهم من 80 دولة وتهريبهم عبر الحدود الدولية لينتشروا في سورية والعراق ويعيثوا فيهما الفساد، بل وصلت إلى سيناء المصرية، وليبيا واليمن والصومال. هذه اللوثة أصابت بعض قطاعات الإعلام الذي يسوق لتصفية الآخرين وإنهاء وجودهم السياسي والاقتصادي، والدعوة لمعاملتهم ليس كمواطنين، بل كمخلوقات دون مستوى البشر. حتى وصل الفجور في الخصومة لدى بعض المرضى العنصريين، إلى اعتبار جزءٍ من المواطنين من المؤلفة قلوبهم.
هذا الخطاب التحريضي المنفلت من كل قيدٍ أخلاقي، عارٌ على صاحبه، وعارٌ على الصحيفة التي تنشره، وكذلك من يقبل بنشره من دون محاسبة أو معاتبة، فيسيء إلى الوطن وشعبه بكل فئاته ومكوناته.
لسنا في العصور المظلمة، حتى يُعامَل الناس بالسوء، ويتم تصنيفهم بحسب انتماءاتهم الدينية والمذهبية، وتلصق بهم التهم الباطلة والتوصيفات الرذيلة، بل نحن في مطلع الألفية الثالثة، حيث تتطلع البشرية جمعاء إلى سيادة حكم القانون، وقيم العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان كبشر، وليسوا كمواطنين منتقصي الحقوق، من الدرجة الخامسة أو العاشرة، أو إخراجهم من دينهم وتكفيرهم، أو تسليط أصحاب الألسن البذيئة للانتقاص منهم.
إننا نعيش في زمن الدعوة للحقوق المدنية، التي انتشرت في شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها. إنه زمن العودة الواعية إلى المفهوم الإسلامي الناصع الأصيل: «الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق»، لكننا نفاجأ بوجود مثل هذه المجموعة الانعزالية المريضة في بعض مجتمعاتنا، والتي شجّعها السكوت عنها على اقتراف الفواحش الفكرية، فأخذت تطالب جهاراً بمعاملة الناس كعبيد، وتفكّر بعقلية فرض الجزية، والمؤلفة قلوبهم. ففي أي عصرٍ يعيشون؟ وكيف وصلت بهم العجرفة والغرور إلى هذه الدرجة من المرض والخلل النفسي.
لا تصدقوهم إذا تكلموا عن الوطن، فهم كالذئاب الذين يعظون بلباس الحملان، ويعتاشون في أزمنة الفتنة على التحريض وأكل لحوم بقية المواطنين. وإذا وجدوا يوماً ما بعض من يصفّق لهم، فإن تاريخ صلاحيتهم شارف على الانتهاء، حيث سيصنّفهم التاريخ كأردأ ما ابتليت بهم الشعوب من أصناف الانتهازيين، حيث جمعوا بين العجرفة والصلف والغرور.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/05/15