الرقابة على الحوكمة
سطام المقرن
السائد في بعض الجهات الحكومية هو التهرّب من المسؤولية في الأساس، كما أن التقارير السنوية للجهات الحكومية والتي تكون في الأساس مبنية على خطط شكلية بدون أهداف واضحة أو محددة
نظم ديوان المراقبة العامة ندوته السنوية الرابعة عشرة هذا العام، والتي كانت بعنوان «دور حوكمة الأجهزة الحكومية في تحقيق رؤية السعودية 2030»، وكان الهدف من إقامة هذه الندوة هو «الخروج بتوصيات من شأنها إبراز وبلورة دور آليات الحوكمة في رفع كفاءة الإنفاق العام وتحسين أداء الأجهزة الحكومية من خلال إعادة النظر في هيكلتها الإدارية والرقابية، وبالتالي المساهمة الجوهرية في تحقيق رؤية السعودية 2030».
ومن خلال استعراض محاور الندوة وجلساتها ومناقشة الخبراء حول هذا الموضوع، يلاحظ وجود غموض كبير حول مفهوم «الحوكمة»، فهذا المفهوم في الحقيقة كغيره من المفاهيم والمصطلحات الحديثة، والذي يعد من المصطلحات «الطارئة» على الناس، إذ لم تنبعث من طبيعة الثقافة الاجتماعية الأصيلة، بل اتخذت شكل شعارات وتصريحات وما أشبه، والفرد يقرؤها في الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية والندوات والمؤتمرات، وهي إذ تبقى فعالة في مجال الكلام والجدل والانتقاد فقط، ومن الصعب أن تتغلغل بتأثيرها في أعماق النفوس.
وعلى هذا الأساس لن أدخل في مفهوم الحوكمة من الناحية العلمية والمهنية، فهذا المصطلح مازال غامضاً حتى في الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، بل وفي أوساط علماء الإدارة والمحاسبة وفي الأوساط المهنية نفسها، فما بالك في الوزارات والمصالح الحكومية، فمن البديهي أن يكون الأمر أكثر غموضاً وأكثر تعقيداً، شأنها شأن المفاهيم الأخرى مثل الشفافية والنزاهة والمساءلة والمراجعة الداخلية.
وبالرغم من غموض مفهوم الحوكمة في القطاع الحكومي، إلا أنه يمكن فهمه أو على الأقل تصوره من خلال تخيّل أوضاع الجهات الحكومية من الناحية الإدارية والمالية وممارسة أنشطتها وتنفيذ مشاريعها، ومن ثم نرى كيف يمكن للحوكمة تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، ودور الأجهزة الرقابية في هذا المجال.
وليبدأ معي القارئ الكريم أولاً بإلقاء نظرة سريعة على الهياكل الإدارية والخرائط التنظيمية لأي جهة حكومية، نلاحظ وجود أقسام إدارية ليس لها أعمال في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى وجود مديرين لا يمارسون وظائفهم الرسمية فعلياً، بالإضافة إلى وجود مسميات وظيفية غير موجودة في الخريطة التنظيمية أو حتى الدليل التنظيمي، بل غير موجودة في السلم الوظيفي على الإطلاق، وهذا يؤدي إلى الانفراد بإدارة الجهة الحكومية، وتكون القرارات الإدارية في ضوء تلك الممارسات مُسخرة لخدمة فئة أو جماعة واحدة يكون المناخ فيها مهيأ لانتشار الفساد، ويكون للعرف الإداري دور بارز كمصدر للإجراءات الإدارية، الأمر الذي أدى إلى ظهور الاتجاهات الشخصية في تسيير مهام الإدارة واستحداث القواعد الحاكمة لها من آن لآخر تبعاً لتغير أشخاص المديرين أو القائمين بمسؤولية الإدارة.
أما الأسلوب السائد في اتخاذ القرار فهو أسلوب تقليدي يفتقر إلى الأسلوب العلمي، ويعتمد على التقدير والحكم الشخصي للمسؤول الإداري ومصالحه الشخصية، وبعبارة أخرى فإن هذا الأسلوب ما زال يقوم على أسس شخصية نابعة من شخصية المدير أو المسؤول، لذا قد نجد في بعض القرارات الإدارية انعكاساً واضحاً لتوجهات ثقافية واجتماعية أو إيديولوجية معينة.
أما فيما يتعلق بمسألة الشفافية، فنلاحظ لدى بعض الجهات الحكومية عدم الشفافية مع موظفيها أو المواطنين على حد سواء، فعلى سبيل المثال لا توجد شفافية في ترشيح الموظفين للدورات التدريبية أو الترقيات أو التوظيف، ولا توجد شفافية في ترسية المشروعات وتنفيذها ومعاملات المواطنين الأخرى كالقبول في الجامعات والابتعاث والتعاملات البلدية، كما لا تنشر الحسابات الختامية والتقارير السنوية للوزارات الحكومية سوى ما نقرأه في الصحف حول مناقشة مجلس الشورى لها وبشكل مجمل دون تفاصيل واضحة.
أما بخصوص المساءلة فهي لا تختلف عن أختها الشفافية، والسائد في الجهات الحكومية هو أن للوزير أو المسؤول الأول في الجهة صلاحيات مطلقة بدون مسؤولية، بحيث تقل هذه الصلاحيات كلما اتجهنا من أعلى إلى الأسفل في السلم الإداري فتقل الصلاحيات وتزداد المسؤولية فيكون المسؤول الأول هو الموظف الصغير بدون صلاحيات، مما يعني ذلك تفويض المسؤوليات وليس الصلاحيات، وبالتالي فإن السائد في بعض الجهات الحكومية هو التهرّب من المسؤولية في الأساس، كما أن التقارير السنوية للجهات الحكومية والتي تكون في الأساس مبنية على خطط شكلية بدون أهداف واضحة أو محددة، وكذلك بالنسبة للحسابات المالية الختامية، فجميع هذه التقارير لا تتم مراجعتها من قبل جهة مستقلة ومحايدة، فتكون النتيجة معلومات وبيانات مضللة لا قيمة لها.
وبناءً على ما سبق ذكره حول أوضاع الجهات الحكومية، يمكن الآن تصور دور وطبيعة الحوكمة، وفهم هذا المصطلح والذي يعمل على معالجة تلك السلبيات التي تم ذكرها آنفاً والموجودة في القطاع الحكومي، فإذا استطاعت جهة حكومية ما التغلب على تلك السلبيات مجتمعة فهي فعلاً حققت معايير الحوكمة.
وحتى يتم تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، فإن لديوان المراقبة العام دورا مهما في هذا المجال، بحيث يبدأ الديوان بنفسه أولاً، ومن ثم تنفيذ مهام رقابية على تطبيق الحوكمة في الجهات الحكومية، والأهم من ذلك كله هو مدى جدية واستعداد الجهات العليا لتطبيق إطار الحوكمة الذي تم إقراره مسبقاً.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/05/16