الشياطين الفاضلة
عبدالله المزهر
يريدون أن تحب الأشياء التي يحبون، وتعجب بالأشخاص الذين يعتقدون أنهم الأفضل، ومن الضروري أن تكره بكل ما أوتيت من عاطفة كل أولئك الذين لا يعجبونهم، أن تشجع فريق كرة القدم الذي يحبونه، أن تشتم الفريق الذي يكرهون، أن تتبنى كل آرائهم في كل أمور الحياة، والآخرة أيضا. هم معيار الحياة ومقياسها الذي يجب أن تلتزم به، وإن خرجت عنه فإنك لن تكون في مكان آمن من سهام الازدراء والتخوين والتجريح وإن حرصت.
ولعل السؤال المهم هو: من هم؟
أما الإجابة غير المهمة فهي: نحن. أنا وأنت، كلنا يتلبسنا بين حين وآخر شيطان يوهمنا أننا المعيار الذي يقاس به الحق وتعرف به الفضيلة. وبقليل من المبالغة التي لا تضر يمكن القول إن الكل أصبح مجرما في نظر الكل، والكل دليله الخاص على الفضيلة والصواب، والفضيلة هي ليلى هذا العصر التي يدعي الكل أنه صاحبها وصديقها الوفي الحميم.
كلنا نعتبر أنفسنا دليل الصلاح، وأننا وكلاء الحقيقة الحصريون، وحين نتحدث عن الآخرين فإننا نتحدث عنهم بصفتهم من أفسد الحياة، وأنهم لو لم يكونوا موجودين لكانت الحياة أفضل وأجمل، لا أحد يقول يوما: أنا وأشباهي وأمثالي وأشياعي من أفسد حياتكم، وجعلها جحيما لا يطاق!
وكلنا نريد من الآخرين أن يصدقونا، أن يؤمنوا بنا، أن يتبنوا أفكارنا دون نقاش، لا نقتنع بسهولة ـ ولا بصعوبة ـ أن أحدا سوانا على حق، أننا يمكن أن نخطئ، أن تكون أفكارنا مجرد أوهام يصيبها الشلل حين تطأ أرض الواقع.
في ظل هذا الهوس بادعاء الفضيلة، لا أعلم ماذا تفعل الشياطين في ظل هذا الفراغ الذي تعيشه، يبدو لي أن الشياطين مشغولة بتحديث بياناتها في حافز بعد أن أصبحت عاطلة عن العمل في هذا المجتمع الفاضل المثالي الجميل، الذي كانت كل مشاكله ـ إن وجدت ـ بسبب أولئك الآخرين الذين لا أحد يعلم من هم على وجه التحديد!
وعلى أي حال..
ربما كانت تلك الشياطين أيضا مشغولة بالحديث عن الفضيلة هي الأخرى في مجتمعاتها السفلية!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/05/16