آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فيصل الجهني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

وهم الموضوعية في الاختبارات التعليمية الجديدة


فيصل الجهني

ما تزال عمليات التقويم الدراسي في تعليمنا تفتقد الدقة والموضوعية والقياس الحقيقي لدرجة استيعاب طلابنا وطالباتنا، لما يقتحم عقولهم كل يوم دراسي من حشد هائل من المعلومات والمعارف!

ولا شك في أهمية الآلية التي تنفذ بها «الاختبارات» لإنتاج مكون تعليمي حقيقي، يزخر بالمخرجات المنتجة التي ننتظرها على مشارف الحضارة، اكتسابا للوعي العلمي الخالص، الكفيل بإصلاح الذهنية الجمعية، التي ما تزال ترتهن إلى سلطة الخرافات والتقاليد والطقوس والرموز والتطرف!

ولعل من أهم تلك «الأخطاء» طريقة الاختبارات المستحدثة في السنوات الأخيرة، والتي تقتصر فيها الإجابة على تظليل مواقع الإجابة الصحيحة بتجليات متنوعة «الاختيار من متعدد - التأشير بعلامتي «صح» أو«خطأ»- المزاوجة بين الفقرات الصحيحة»، باعتبار أن تلك الأسئلة موضوعية، مقارنة بالأسئلة «المقالية»، بحسب المصطلح التعليمي المتداول بطريقة خاطئة، فليست الموضوعية تتعلق فقط بوضع علامات «الصح» أو «الخطأ»، أو التظليل للإجابة الصحيحة، وإنما يمكن أن تصاغ أسئلة، تكون إجاباتها «مكتوبة» وموضوعية معا، أي أنه من الممكن أن تكون الأسئلة مقالية؛ مكتوبة من الطالب، بحسب تعليمنا، وموضوعية؛ تقاس صحتها بطريقة دقيقة محايدة لا مجال فيها لرأي المصحح أو لنية الطالب، بحسب المفهوم الصحيح للموضوعية!

لا أدري من أين ترسخت تلك المفاهيم «المغلوطة» في الذهنية التعليمية العامة، مما شجع المسؤولين عن الاختبارات في الوزارة على اعتماد تلك الأسئلة التظليلية «المظللة»!

هذا النمط من أسئلة الاختبارات الجديدة، يجعل الطالب في حل من استخدام «لغته العربية المعجزة» للإجابة عن أسئلة اختبار مدى استيعابه العلوم والمعارف التي درسها طوال عام كامل.

كما أن هذا النمط لا يمكنه قياس مهارات كثيرة تتضمنها المواد العلمية أو النظرية الأدبية والشرعية، كمهارات استنتاج القاعدة الصحيحة لحل «المسألة»، والطريقة العلمية المثالية التي يختارها الطالب عن طريق خطوات «الحل»، بصرف النظر عن كتابة «الرقم الصحيح» في النهاية، ومن المهارات كذلك «إعراب الكلمات» و«حفظ النصوص الأدبية وتحليلها ونقدها» و«مهارة الأسلوب الكتابي العام التي يستثمر فيها الطالب كل ما يدرسه في علوم النحو والأدب والإملاء والإنشاء والبلاغة...»!

بل إن المقررات الجديدة للأنظمة التعليمية الفصلية تتطلب بالضرورة أن يمارس الطالب فعل الكتابة والتحليل «على سبيل المثال؛ ثمة وحدات كاملة في مقرر اللغة العربية للمرحلة الثانوية معنونة بـ»كتابة التقارير والمحاضر والخطب المحفلية و..و»، فهل هناك طريقة لاختبار الطالب في كامل تلك الوحدة غير «الكتابة» التي تتجلى فيها مهارته في استيعاب آلية التنفيذ والحل!، ومع ذلك فإن أسئلة الاختبارات لتلك الموضوعات تأتي مجردة من طلب كتابة كلمة واحدة، ما دام أن المعلم تخلّص من عبء «التصحيح» بواسطة الآلة الذكية، التي تقرأ الرموز التي قام بتعبئتها الطالب في ورقة الإجابة الثابتة في كل مرة!

وبالتالي، فإن تلك الاختبارات الجديدة، بدلا من أن تقيس مهارات الطلاب في شواهد العلم والمعرفة، نجدها لا تقيس سوى مهاراتهم في اقتناص الشكل أو الرقم الصحيح من أوراق إجابات الطلاب المجاورين، وقدرة «طول النظر» لديهم على مشاهدة إجابات الطلاب «المميزين» منهم، علما بأن آلية تلك الاختبارات الجديدة تجري في الظروف نفسها، التي تجري فيها الاختبارات القديمة من ناحية المكان والزمان، فالمكان هو ذاته الذي لا يتجاوز 4 أمتار مربعة، لما يقارب الـ25 طالبا «بحسب الموجود واقعا»، أي أن المسافة بين أوراق الإجابات لا تتجاوز بضعة «أشبار» فقط!، كما أن الزمن هو ذاته: ساعة ونصف الساعة، أو ساعة لنصف وقت الاختبار، مما يجعل الطلاب من ذوي المهارات المغيبة يتفننون في استحداث طرق كثيرة لاستغلال كل ذلك الوقت في «تبادل» الإجابات أمام المعلم المغلوب على أمره، الذي لا يمكنه أن يجبر الطالب أن يضع يديه على نحو ما، أو ألا «يكح كحة رمزية شافية معافاة»، أو ألا ينظر إلى السقف نظرة تدل على أن الإجابة الصحيحة هي الفقرة «أ» في اختيارات السؤال!

كان من الممكن أن تتوافر الاختبارات على أعلى درجات الموضوعية، فيما لو كانت الأسئلة على نمط «عَدِّدْ- أَكملْ - حَدِّدْ- استخرجْ - قارنْ..»؛ من تلك الصياغات الدقيقة التي تبتعد عن الطابع الذي يسميه التعليميون المقالي، وأسميه أنا الإنشائي/‏ الذاتي/‏ التعبيري..! كان من الممكن تجريب أنماط وأساليب موضوعية كثيرة غير الأنماط التقليدية الإنشائية الفضفاضة مثل «اشرحْ- اكتبْ - بيّنْ.....)!
المهم، هو أن نعرف قبل كل شيء كيف تكون الموضوعية العلمية، وكيف تكون لغة الحياد العلمي المعرفي، وكيف نختار أسئلة علمية صحيحة؟!

أخيرا، فإن عمليات «الترميم» أحيانا للمباني المهترئة الآيلة للسقوط، لا تجدي نفعا على الإطلاق، وإنما «لا بد» عندئذ من الهدم وإعادة البناء من جديد!.

أضيف بتاريخ :2017/05/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد