من منكم لم يقطع كتابا فليرم المدير بتهمة
شاهر النهاري
قسما عظما إنه ليحز في نفسي أن أكتب في مثل هذا الموضوع الممل، والذي لو جمعنا أوراق ما كتب فيه لكفتنا طباعة مناهج السنة الجديدة، فالكل يحكي ويبكي ويمسك غضبا بحجرات التهمة ويقذفها على رأس مدير المدرسة المسكين في تبوك، وكأن ما حدث في مدرسته لا يحدث في مدارس كثيرة لم تتسرب بعد مقاطعها الفاضحة لمواقع التواصل.
وسؤالي المرتكز في العنوان واضح، فمن كان منكم لم يقطع كتابا بيديه، فليرم المدير بتهمة.
كلنا شعرنا في طفولتنا وربما في شبابنا بمثل هذا الشعور الحانق المتفجر على من ألف الكتاب ومن طبعه، وعلى أغلب من درسونا محتواه، وبما يضيفونه من عندياتهم، ومن كرهونا في محتواه، ومن أشعرونا بأننا في سجن عظيم اسمه التعليم لم نلبث في لحظة الخلاص منه أن نقمنا بقدر ما نستطيع على هذه الكومة من الأوراق، المغلوب على أمرها.
الأمر أعمق بكثير من الفعل الظاهر، ولو أنه يعطي دلائل ظلت لعقود من الزمن مجال استغراب من المجتمع، ومن المسؤولين، ورمي بالشبهات على رؤوس الطلاب، وربما مؤخرا على مدير المدرسة المسكين، والذي ذهب فيها وكأنه المجرم الذي ابتدعها، وأننا بمجرد أن نتخلص منه، فلن نرى بعدها تقطيع كتب حاقدا.
البعض ينادي بالتنظيمات الحاسمة القاطعة الرادعة، والتي تطالب بتجريم شخص ما، سواء كان هذا من الطلبة المذنبين أو من أعضاء الإدارة الغافلين، أو أي شخص يصادف أن يمر بجانب الجرم الذي يخشى الجميع من حقيقة مواجهته، كونه مزعجا للمنظومة التعليمية، ليس فقط الحالية ولكنه يهز صور جميع المراحل السابقة، والتي كانت كل واحدة منها تزحلقه على الأخرى.
أنا هنا لا أحاول تبرئة الطلبة، ولا أشفع للمدير، ولكني أتمنى أن نتفهم جميعا تعقيد ما يجري، وسببيته، وترابطه حتى مع التشدد والإرهاب.
المسألة مركبة مجمعة من عدة جوانب، وتحتاج لعقول نيرة تعرف كيف ترمي، ونفوس ترغب في الفائدة للوطن ولكل من ينشأ على أرضها ليصبح محبا لأجزائها، يتعامل مع جميع معطياتها وكأنها ملكه الخاص، ليس فقط كتب المدارس، ولكن جميع ما نسيء استخدامه، بداية من رصيف البيت، وامتدادا للفساد في معطيات الدولة ومحترزاتها.
والبداية الصغيرة تبدأ من إصلاح:
المنهج الذي أعيا كل المداوين بمكوناته المؤدلجة، وطريقته الخاضعة للتجارب غير المنطقية بتعديله كل عام والعودة عن ذلك في العام المقبل.
تطويع وتطوير المعلم الذي يعتبر جزءا من العيوب الحاصلة في مفهوم وفكر ونفسية المجتمع، والذي يتعامل مع الطلبة بطرق لا يتمكن النظام من ضبطها، فيظل يطبق مفهومه الخاص، ويبحث عن أسهل الطرق للخلاص من المسؤولية.
فهم الطالب الذي تمارس عليه ضغوط نفسية وأسرية واجتماعية عظيمة، مع مقارنات وتناقضات اجتماعية مستعصية على فهمه، فيبحث هو أيضا عن بلوغ نقطة النهاية بأسهل الطرق وأكذبها، وكثير منهم يكاد ينفجر في نهايتها، فينتقم.
الإدارة التي تعمل بنقص شديد في المؤهلات، ونقص شديد في طرق التعامل مع الطلبة، وبمنظور نفسي واجتماعي منقوص.
وضع النظم الخاصة باستلام وتسليم الكتب، بشروط تحفز الطالب على فعل ذلك بمحبة، وليس بإجباره على ذلك.
إدخال الصحة النفسية والاجتماعية المتخصصة في المدارس، كمتطلب حضاري، ومعالجة الأسباب قبل تراكمها.
نهاية، آمل أن نبدأ بالإصلاح حالا، فلا أضطر لطرح سؤالي مجددا في السنوات المقبلة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/05/17