قراءة في قسم الوزراء
طراد بن سعيد العمري
يؤدي كل وزير يتم تعيينه في السعودية قسم عظيم يقول فيه: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي و “بلادي”، وأن لا أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص”. يمكن تقسيم القسم إلى أربعة مفاصل أو محاور رئيسية: (١) الإخلاص لله والولاء للملك والانتماء “للبلاد” (الوطن)؛ (٢) عدم البوح أو إفشاء أسرار الدولة؛ (٣) المحافظة على مصالح وأنظمة الدولة؛ وأخيراً، (٤) تأدية العمل بالصدق والأمانة والإخلاص. وسنحاول هنا أن نغوص في مضامين هذا القسم لنتعرف أكثر وأكثر على مفاصله وتفاصيله ومحاوره، ودرجة الوضوح والغموض فيه، وأهميته على مستوى وجودة العمل الإداري الحكومي.
في البداية نود أن نتساءل حول عدد من القضايا: ماهو الفرق بين مصطلح “بلادي” في قسم الوزراء، وبين مصطلح “وطني” في قسم السفراء وأعضاء مجلس الشورى؟ وهل المقصود مصالح الدولة أو مصالح الحكومة؟ وعن أي نوع من المصالح: الإستراتيجية أو الحيوية أو الحساسة أو الهامشية؟ ولماذا يقوم الوزراء بأداء القسم عند تغيّر الحكومة وإعادة تشكيلها؟ ولماذا يؤدي الوزير القسم أكثر من مرة عند نقله من وزارة إلى أخرى بالرغم من عدم وجود ما يفيد أنه أقسم بخصوص وزارة بعينها؟ ولماذا يقتصر القسم على الوزراء، ولا يشمل الإدارة التنفيذية العليا، مثل وكلاء الوزارة والمدراء العامون ومندوبي الوزارة في المناطق، الذين يقومون في العادة بمعظم عمل الوزارات؟ وماذا لو تعارض مضمون مفصل أو محور من محاور القسم مع مضمون محور آخر، مثل المحور الثاني أو الثالث مع المحور الرابع الذي يعني بثلاثة سمات غاية في الأهمية والحساسية وهي: الصدق والأمانة والإخلاص؟
الصدق في القول، والأمانة في الضمير، والإخلاص في العمل. ثلاثة متطلبات تضع الوزير في مأزق ديني وأخلاقي وقانوني. ماذا لو سئل الوزير عن أمر يتداخل فيه سر من أسرار الدولة مع الصدق؟ هل يفصح، أم يصمت؟ فإذا أفصح بالجواب فقد يفشي سر من أسرار الدولة في المحور الثاني، وإذا صمت فقد خالف الصدق في المحور الرابع. ماهو المقصود بمصالح الدولة وهل هي معرّفة ومحددة ومعروفة؟ وإذا كانت كذلك، فما هو الحال لو طرأ تعارض بين مصالح الدولة وأنظمتها؟ هنا يمكن أن نقول أن أهم محور في القسم يكمن في المحور أو المفصل الرابع: “وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص”. الله أكبر ما أعظم هذه الجملة التي تشفق منها السموات والأرض والجبال، فكيف بموظفي الخدمة المدنية من الوزراء!!!
شاهدنا على مر العقود الماضية بعض من تجاوزات الوزراء او الوزارات، في المشاريع والالتفاف على الأنظمة أما بإذن خاص أو بإستناء من صاحب القرار، نظراً لمنزلة الوزير أو أهمية وزارته، أو شطارته، أو قدرته على فذلكة الأمور. وهنا يمكن رصد التعارض بين ما هو قانوني و تنظيمي أو مشروع. فكيف يتم تقييم الحالة هذه، فيما إذا كان الوزير حنث في القسم أم لا؟ من ناحية أخرى، يقوم وزير ما بتوقيع عقد مشروع معين لصالح وزارته، لكن يوجد في هذا العقد أو المشروع الكثير من الجيوب أو البنود الرمادية التي قد يستغلها الوزير في أمور غير ما خصصت له. فهل هذا التحايل على الأنظمة يتناقض مع القسم ومحاوره ومفاصله، وهل يمكن أن يتهم الوزير بعدم الوفاء بالقسم؟
في التنظيم الإداري السعودي نجد أن معظم الوزارات والمصالح الحكومية تتماثل في نظامها المالي والإداري والقانوني وتخضع لأنظمة مراقبة وأنظمة تقاضي موحدة، لكن هناك بعض المصالح الحكومية يتم هيكلتها بشكل مختلف ومغاير لبقية الوزارات للتخلص من تحكم وزارة المالية في الصرف أو نظام المنافسات، أو شروط وإجراءات وزارة الخدمة المدنية في التعيين والتوظيف والترقية وحجم الأجور، فهل هذا يخدم مصالح الدولة ويتماشى مع أنظمتها المبينة في المحور الثالث من القسم؟ الغموض الذي يلف الهيكل الإداري والتنظيمي للوزارات والمصالح الحكومية كنتيجة مباشرة للتقادم والتطور والتوسع الذي تشهده المملكة يتطلب أنظمة تتوافق مع القسم أو العكس.
تعتبر الحكومة جزء من الدولة ولكنها ليست كل الدولة. فمجلس الشورى، على سبيل المثال، ليس من الحكومة لكنه من الدولة، فكيف يقسم الوزير على ماليس له به علم أو ضمن معرفة وممارسة وزير في الحكومة؟ وماهي أسرار الدولة هل هي محددة أم أن سائر أعمال وممارسات الحكومة هي من أسرار الدولة؟ كيف يمكن الجمع بين عدم البوح أو كشف الأسرار في زمن يتطلب الشفافية وعصر المعلوماتية والإعلام؟ وهل بسبب عدم البوح أو إفشاء الأسرار نجد كثير من المسئولين في الحكومة والشورى يبتعدون عن التحدث للإعلام أو يروغون من الصحفيين كما يروغ الثعلب؟ وماذا لو قام الوزير بالإدلاء بمعلومة غير صحيحة أو فيها تضليل هل يعتبر الوزير قد حنث في يمينه أو خان الأمانة؟
أخيراً، الفساد الذي يعلن الجميع كرهه ومحاربته بدءاً بالملك وفقه الله وولي عهده، وولي ولي العهد، وانتهاء بالمواطن العادي وتذمره سواء بعلم أو من دونه، يبدأ من عدم الوضوح في كثير من الأمور والقضايا وأول ذلك يبدأ من القسم. ذلك القسم العظيم والذي يشكل العقد بين الدولة ومسئولي الحكومة وغير الحكومة، نقول يحتاج ذلك القسم إلى لائحة توضيحية وتفصيلية وتنفيذية يمكن من خلالها ضبط أداء الوزراء والمصالح التنفيذية من ناحية، لكي ينضبط بعض التذمر الحاصل في ذهن المواطن بمعرفة أو عدم معرفة لدقائق التنظيم الحكومي. كما يجب بعد اللائحة عمل نموذج للقسم يوقع عليه كل موظفي الخدمة المدنية الذين يخدمون المواطن عند تعيينهم.
ختاماً، لو تمعّن كل وزير من وزراء الخدمات في المحور أو المفصل الرابع والأخير من القسم وهو تأدية العمل “بالصدق والأمانة والإخلاص”، لحصل أحد أمرين: الأول، أن تصبح السعودية الأولى عالمياً في مؤشر السعادة، أو الثاني، حيث لن يستمر وزير خدمات في منصبه أكثر من شهر. حفظ الله الوطن.
كاتب، ومحلل إستراتيجي
صحيفة انحاء
أضيف بتاريخ :2015/12/14