خطابات الكراهية مطلوبة... لماذا نكذب؟
سعيد محمد
لم يعد الكثير من الناس يتفاءلون أو يتفاعلون أن يثقوا في تصريحات المسئولين العرب المتعلقة بمواجهة الخطاب المتشدد والتكفيري وخطابات الكراهية، فلقد تبين أنها مجرد (لقلقة لسان) تجول وتصول على ألسنتهم، فيما الحقيقة المؤلمة هي أن الكثير من الدول، في منابرها الدينية وإعلامها، ترعى خطاب الكراهية... فلماذا نكذب على أنفسنا وندعي أننا كدول ومجتمعات: معتدلة... متسامحة... منفتحة... نحارب التكفير والتشدد والطائفية؟ ولماذا لا تظهر القوة في تطبيق هذا (الهراء) إلا على مكون هنا، أو طائفة هناك، أو ملة بينهما؟
نتمنى أن يكون الحديث عن مواجهة خطابات الكراهية والطائفية قائماً على أساس الصدق والقناعة، فليس معقولاً أن تجد في بضع منابر (أياً كانت طائفة ذلك المنبر... وأكرر... أياً كانت طائفة ذلك المنبر)، تجد من يشتم ويكفر ويزبد ويدعو لسفك دماء الناس ويخونهم وتجد الدولة (ساكتة عنه)، وما أن يتحدث منبر آخر (أيا كانت طائفة ذلك المنبر... وأكرر... أيا كانت طائفة ذلك المنبر)، عن قضايا الناس وهمومهم أو يتحدث في مساحة السياسة والحكم والنظام السياسي، إلا وقد ناله من الهجوم والتنكيل والتخوين ما ناله... بل ودون شك، ستلاحقه هذه المفردات الجاهزة: خائن... متآمر... رافضي... ذنب إيران... صفوي... كافر... مشرك... وكأن أولئك، وخصوصاً من أتباع الجيش الإلكتروني في «تويتر» وغيرها، وكأنهم ما حفظوا أو (لم يتمكن صاحبهم وراعيهم) من تعليمهم وتحفيظهم سوى تلك الكلمات.
على أية حال، سأخرج من دائرة الناس الذين (ما عادوا يتفاءلون أو يتفاعلون) مع تصريحات المسئولين، وسأتفاءل باللقاء الذي جرى بين وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة، يوم الثلثاء (30 مايو/ أيار2017)، مع مجلسي إدارة الأوقافين الجعفرية والسنية، بحضور وكيل الوزارة للشئون الإسلامية فريد المفتاح، ولعلني لم أتحدث سابقاً عن الوزير، إلا أن الوكيل المفتاح، واحداً ممن تناولت خطبهم وأفكارهم ومنهجهم المعتدل منذ سنين طويلة، بل منذ بداية عملي في الصحافة في العام 1989، وكنا نجد في مقالاته وكتاباته المتيسرة لنا ما يثلج الصدر، ففيه وفي أمثاله الخير.
ذلك اللقاء كما ورد في الصحافة (سلط الضوء على تأكيد الوزير على أهمية توسيع مجالات الحوار الثقافي ونبذ كل أشكال العنف والتطرف، وأهمية تجديد الخطابات الفكرية وترشيدها لتكون متوافقة مع منهج الإسلام الوسطي المعتدل، والتصدي للأجندات المذهبية والطائفية لما لها من تداعيات خطيرة على أمن المنطقة والعالم، ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله والتصدي لجذوره الفكرية وتجفيف مصادر تمويله)... انتهى الاقتباس، وذلك الأمر في غاية الأهمية، فلماذا لا تزال مساحات من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بل وحتى بضع خطب هنا وهناك تنال من المواطنين وتكفرهم وتخونهم وتخرجهم من ملة الإسلام فقط لأنهم (معارضون سياسيون) أو (ليسوا من مذهب الخطيب فلان والمتحدث علان)! لماذا لا تتم مساءلتهم ومعاقبتهم؟ هل هذا نوع من المكافأة؟ أسئلة كثيرة لا تحتاج إلى إجابات فقط، بل تحتاج إلى تقديم أمثلة حقيقية... وهي متوفرة إن أراد المسئولون.
من المؤسف جداً أن تتوالى الحوادث الجسيمة وسط وحول منطقة الخليج العربي، فيما ثمة ظواهر تنخر من الداخل وكأنها أصبحت من المسلّمات المقبولة والطبيعية، ومنها التكفير والطائفية، ولعل الكثير من الكتاب والباحثين والمهتمين، كثفوا عملهم وكتاباتهم في هذا الحقل لكونهم من أشد مهددات الاستقرار خطورة... فهل يغرق الخليج في الطائفية؟ ولماذا كل هذا الفشل في تطويق مسببات بث الطائفية والتناحر والصدام العقائدي؟
وليس هناك ما يمكن اعتباره أفقاً مجهولاً لمخاطر الطائفية التي عجزت الكثير من الدول والحكومات عن وأدها، حتى أن الحقيقة المنطقية التي يمكن القبول بها في غمرة كل ذلك التهاون، أن الطائفية والتكفير والعنصرية والتمييز المرتبط بالفساد وغياب العدالة الاجتماعية، لا يمكن أن تنتشر إلا في مجتمعات ودول وحكومات هي في الأساس أفسحت الطريق لها لكي تنمو وتترعرع وتنتشر، وإلا فما من دولة تريد سحق الطائفية والحفاظ على نسيجها الوطني وحماية كل المكونات والأديان والمذاهب إلا ونجحت في ذلك.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/06/03