حصاد الأزمة الخليجية: أين وصلت وما مستقبلها؟
عبدالوهاب الشرفي
جلبة عالية أحدثتها السعودية و الإمارات بافتعال أزمة حادة مع قطر واندفعا فيها بشكل متهور ينم عن قصور سياسي بالغ لدى الإدارتين السعودية و الإماراتية ، و قد كان اندفاعهما منطلق من حسابات خاطئة سوء فيما يتعلق بالدور الأمريكي الذي كانا يعولان عليه أن يقف في مساندتهما بقوة خصوصا بعد قمم الرياض أو فيما يتعلق بتقدير أثر العلاقات القطرية الواسعة ومدى قدرتها على توفير الحماية لقطر أمام مطالب السعودية و الأمارات .
لا تجد الإدارة الأمريكية حاجة كبيرة لأحداث تغيرا في السياسة الخارجية القطرية فقطر شريك محوري للولايات المتحدة في أكثر من ملف ولا مفارقة كبيرة بين السياسة الخارجية القطرية وبين ما تريده الولايات المتحدة من دور لقطر ، ولهذا ضلت الإدارة الأمريكية تتحدث عن ضرورة حل الأزمة ولم تحاول أن تجاري السعودية و الإمارات في حدتهما تجاه قطر ، و مع أن ترامب حاول أن يصطاد في الماء العكر وأطلق تصريحات حادة تجاه قطر بعد فشله في ” اصطيادها ” كما اصطاد السعودية من قبل إلا أن الموقف الرسمي الأمريكي كان متجها باتجاه الحل ومتلافيا في كل مرة ” شطحات ” ترامب وأخرها مأتم اليوم من تأكيد تيلرسون ولافروف على ضرورة الحل عبر الحوار للازمة الخليجية .
اتصال لافروف و تيلرسون اليوم هو رسالة بأن الولايات المتحدة الأمريكية تستوعب مالم تستوعبه السعودية و الأمارات ، وأن أي تصرف تجاه قطر يجب أن يكون له سقف لأنه لن يمثل في كل حالاته إلا صورة من صور الخسارة بالنسبة للولايات المتحدة فالاندفاع دون سقف يضع الأزمة الخليجية يتراوح بين نتيجتين أدناهما أن تقدم الولايات المتحدة قطر لمنافسيها على ” طبق من ذهب ” و أعلاها أن تتفجر حرب كونية على خلفية الأزمة القطرية وهو أمر ليست مستعدة للمجازفة باتجاهه في سبيل تخليص السياسية القطرية من صور القصور التي هي بطبيعتها ليست مقلقة بالنسبة للسياسة الأمريكية في المنطقة .
قطر بدورها كانت بارعة في تعاطيها مع الأزمة فمع تشددها في التمسك بموقفها وحقها في حرية سياساتها وعلاقاتها الخارجية إلا أنها اتبعت سياسة ” الدم البارد ” تجاه القرارات التي اتخذت بحقها ولم تبادل بأي قرارات تمثل رد فعل و ذهبت لتعزيز دور الوساطة للحل ، وفي ذات الوقت قاومت التوجه ” الترامبي ” لاستثمار الأزمة وسحب قطر إلى مربع إذا وقعت فيه فستفقد الكثير من مزايا تحالفاتها العريضة في حمايتها بل كانت سريعة في سحب ” ترامب ” إلى ملعبها بتوجهها أولا إلى حلفائها الغير منسجمين مع واشنطن كتركيا و إيران و مرورا باستثمار علاقتها المميزة بألمانيا و وصلا إلى روسيا التي اضطر وزير خارجية الولايات المتحدة أن يتصل بوزير خارجيتها أثناء زيارة وزير الخارجية القطري في موسكو و ليؤكد في اتصاله على ضرورة الحل عبر الحوار، وليقطع بذلك الطريق على أي نتائج غير مرغوبة قد يخرج بها وزير الخارجية القطري من زيارته لموسكو .
بدء إشعال الفتيل بالبحرين لتتبعها السعودية ثم الإمارات وأخيرا مصر في ظرف ساعات ،ويضل الموقف المصري موقفا لا طائل منه لأن المشكلة التي يعاني منها ليست حاضرة على الإطلاق عن النقاشات حول المطالب السعودية الإماراتية وبالتالي فموقف مصر كان في توقيت خاطئ جعله غير ذي أهمية بل أضر بصورة مصر أكثر من قبله حيث أظهرها كتابع لا تأخذ قضاياها بجدية فلو كانت قاطعت قطر منفردة على خلفية اتهاماتها لقطر لكانت النتيجة أفضل بكثير من النتيجة التي تحققت من انضمامها للمقاطعة مع السعودية والإمارات و التي بدءت فيها كأنه لاموقف لها و لاحضور فيما يتم من تعاطي وتفاعلات مع الأزمة الخليجية .
ما يعكس الخيبة السعودية الإماراتية أيضا هو التجاوب الذي تحصلت عليه مواقفها التي تحدثت المملكة عن أنها ستذهب لحشد ما أمكن ضد قطر لكن النتيجة لم تتجاوز حكومة عبدربه منصور هادي المقيمة أساسا في الرياض وموقف مجامل من الأردن ذهب إلى تخفيض العلاقات وليس قطعها و موقف لفصيل ليبي ثم دول لا تقدم ولا تأخر بل تزيد خيبة السعودية و الإمارات بروزا ، و بالمقابل تحصلت قطر على مواقف مساندة وازنة من روسيا و تركيا وألمانيا و إيران وغيرهم .
لم تتمكن السعودية وإمارات من أن تحقق نتيجة بتوجهها للتصعيد وإعداد قائمة تضم من صنفتهم كإرهابيين من أشخاص وجماعات و تحصلت على ضربة أممية بإعلان الأخيرة عدم مهنية هذا التصنيف وبأنها لاتعتمد إلا التصنيف الصادر عن مجلس الأمن بالنسبة للإرهاب أفرادا و جماعات ، كما لم تجدي هذه الإثارة بالتأثير على موقف أحد بمن فيهم حليفهما الولايات المتحدة الأمريكية بل واضطرا لإرسال وزير خارجية البحرين إلى تركيا لطرح وجهة نظرهما لدولة هي إحدى الدول التي تلتقي مع قطر في كثير من المواقف السياسية تجاه ملفات المنطقة و التي طُلب من قطر التخلي عن تلك السياسات ابتداء .
الحصار المضروب على قطر أثمر إيجابا على دول مستهدفة من قبل السعودية و الإمارات كإيران فقد تحول الأسطول القطري الجوي الضخم إلى أجوائها و في ذلك خطوة مهمة تمثل كسرا لحضر جوي عانت منه إيران طويلا ولم تشفع علاقتها مع قطر في كسره قبل تفجير السعودية و الإمارات لهذه الأزمة , كما أصبح لإيران و لتركيا موطئ قدم أوسع من ذي قبل داخل الشأن الخليجي ، الأسواق القطرية عوضت بالمنتجات القطرية و لقيت ترحيبا ليس فقط من الحكومة وإنما من المجتمع القطري نظرا لعدم الاتزان السعودي الإماراتي بطرده للمواطنين القطرين ومعاملتهم معاملة جارحة ، واستصدرت تركيا قرارا من برلمانها يسمح بنشر قوة في قطر لم يكن له وجود أو دافع قبل هذه الأزمة و سيزيد من الصعوبات أمام أي توجهات سعودية إماراتية تجاه قطر مستقبلا وقد يؤدي إلى خسارة السعودية والإمارات لعلاقتهما مع تركيا إذا ما رفعا مستوى مشادتهما مع قطر ، وشيئ من هذا القبيل بدء يدور بحق الباكستان الدولة الإسلامية النووية و التي رفضت سابقا مطالب المملكة بقوة تشارك في حماية حدودها ضمن عملية ما عرف ” بعاصفة الحزم ” العدوانية على اليمن .
اندفعت السعودية والإمارات ضد قطر دون سقف ولكنهما رغم كل الدفع الكبير للتصعيد اصطدما بالسقف المتاح للتأزيم مع قطر و ليجدا الجميع يقف موقف ” الحل عبر الحوار ” وبمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يعد من الممكن للسعودية و الإمارات الوصول ابعد مما وصلا إليه تجاه قطر ، ومع ذلك تضل الضربة التي وجهاها لقطر غير ذات تأثير كبير على قطر إلا أنها ستؤثر في مقتل على البيت الخليجي الذي لن يعود كما كان قبل هذه الضربة على الإطلاق و سيكون لها تداعيات على العلاقات الخليجية و على الأدوار التي تلعبها دول الخليج في المنطقة و في العالمين العربي و الإسلامي ككل بشكل كبير خلال المراحل القادمة .
رغم كل عمليات التجميل التي كانت تتم على العلاقة السعودية القطرية إلا أن تاريخ علاقتهما يظهر عدم انسجام سياستيهما بشكل مستمر ، لكن بعد هذه الأزمة سيكون عدم الانسجام أكثر حدة وسيصل إلى كل المكونات المرتبطة بأي منهما في مختلف الملفات في المنطقة ، وبالتالي فالأزمة الخليجية تعتبر قد وصلت إلى سقفها مع قطر ولكن تداعياتها و تبعاتها ستبدأ من الآن وصاعدا وفي مختلف الاتجاهات و الملفات التي لها علاقة بالنفوذ و التدخل الخليجي في المحيط الخليجي وفي العالمين العربي و الإسلامي ككل .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/12