من عجائب تكون البترول
عثمان الخويطر
تكون البترول، تحت وفوق سطح الأرض، وبهذه الكميات الهائلة يعتبر، ليس فقط من عجائب الدنيا، بل هو من آيات الله الكبرى. الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أنه أنزل الحديد ولم يذكر أي شيء ظاهر عن البترول، لحكمة هو أعلم بها. الحديد كان بطبيعة الحال معروفا لدى بني البشر قبل نزول القرآن. أما البترول بصفته الحالية، فلم يكتشف إلا بعد أن توافرت لدينا، بفضل من الله، علوم ووسائل استخراجه. ويتكون النفط من خليط معقد من الهيدروكربونات، ويختلف في تركيبه ومظهره وشدة نقاوته بحسب المنطقة التي يتم استخراجه منها. وعندما نتحدث عن احتياطي البترول القابل للإنتاج بالطرق والتكنولوجيا المعروفة اليوم الذي قد يصل إلى خمسة تريليونات برميل، شاملا ما تم إنتاجه حتى وقتنا الحاضر، فذلك جزء بسيط من مجموع أصل البترول الذي قد تبلغ كميته الكلية عند التكوين من عشرة إلى 15 تريليون برميل. وهو تقدير عشوائي بطبيعة الحال، لاستحالة معرفتها إذا أخذنا في الاعتبار الكميات الهائلة التي كانت قد هجرت مهد تكوينه وتبخرت مع مرور الزمن، خلال مئات الملايين من السنين بعد أن وجدت طريقها إلى سطح الأرض عبر طبقات الصخور ذات النفاذية المتواصلة. إضافة إلى حقول البترول التي لم تكتشف بعد. وهذه من المستحيل أن نعرف مقدارها لعدم إحاطتنا بها، ولكنها تدل على ضخامة أصل كميات البترول التي تكونت نتيجة للعوامل الطبيعية والمناخية والجيولوجية السائدة قبل مئات الملايين من السنين. ويقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه، "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". والجزء الذي سيتم استخراجه إلى نهاية عمر البترول يمثل في أغلب الأحوال نسبة لا تزيد على 40 في المائة من البترول الذي كان قد ظل موجودا تحت الأرض. أما الـ60 في المائة المتبقية فمن شبه المستحيل إنتاجها بالطرق المعروفة. إلا أن هناك احتمال أن يكون في الإمكان إنتاج ما بين 10 و20 في المائة، إضافة إلى نسبة الـ40 في المائة، إذا استخدمنا تقنيات وعمليات مكلفة جدا. واحتمال اكتشاف مزيد من حقول البترول في المناطق المتجمدة وفي أعالي البحار أمر وارد. ولكن ذلك سيتطلب مجهودا جبارا وأموالا طائلة لاكتشافها والاستفادة منها. كما سيتطلب إنتاجها سعرا عاليا. ولدينا أكثر من نظرية لوجود البترول في باطن الأرض بهذا القدر المهول. ولكن النظرية الأكثر قبولا وأقرب إلى المنطق، هي تلك التي تفترض أنه تكوَّن نتيجة طمر كميات هائلة من الأحياء البحرية والبرية، من نبات وحيوان، كانت تجرفها السيول والأنهار باتجاه البحار وتحت طبقات الصخور الرسوبية. ويسمونها بالنظرية البيولوجية. وبفعل الضغط والحرارة تحولت تلك المواد العضوية إلى بترول سائل وغاز. وفي حالات كثيرة يتجمع البترول أو يطفو فوق طبقة من الماء الذي قد تفوق ملوحته مياه البحر بخمسة أضعاف. وعادة يبدأ إنتاجه مع البترول بعد سنوات من بدأ إنتاج الحقل ويعاد ضخه إلى مكامنه تحت البترول لسببين. الأول، التخلص منه لكونه مضرا بالبيئة لو تُرِك على سطح الأرض. وثانيا، ضخه في الحقل يساعد على المحافظة على الضغط، وهو أمر حيوي ومرغوب. والبترول، بفضل من الله، يكاد يكون موجودا في جميع قارات الأرض، عند أعماق متقاربة، معظمها في حدود خمسة إلى عشرة آلاف قدم تحت السطح. وليس هناك ما يشير إلى سبب وجود البترول في مناطق بعينها دون غيرها أو بكميات أكبر. وكما أسلفنا، تكون البترول والغاز من مواد حيوانية ونباتية قبل ما يزيد على 600 مليون عام في مسام ميكروسكوبية داخل بطون الصخور الرسوبية التي عاصرت تكوينه. ولكن معظم كميات البترول الذي في باطن الأرض لم يستقر في مكان تكوينه، فقد يكون قد هاجر أو انتقل عبر مسام الصخور المنفذة إلى وجهتين. الأولى، احتمال أن قسما منه وجد طريقه إلى سطح الأرض واختفى خلال ملايين السنين. وهذا يصعب تقدير كمياته وزمن انتشاره في الهواء. وقسم آخر، وهو المهم بالنسبة لنا، صادف في طريق هجرته مصائد طبيعية، وهي في الغالب مكونات صخرية على شكل قبب ثلاثية الأبعاد، الطبقة العليا منها غير منفذة ولا تسمح له بتجاوز المكمن. وعملية اكتشاف البترول لا تعدو كونها بحثا عن وجود تلك المكامن عن طريق ما يسمى بالمسح الزلزالي. ولكن لا يؤكد وجود البترول والغاز إلا عملية الحفر، وما يتبع ذلك من اختبارات وفحوص مخبرية للطبقات الحاملة للبترول. ولعل من نافلة القول أن نذكر أنه توجد أيضا كميات كبيرة من البترول في الحالة الصلبة فوق سطح الأرض، ويطلق عليه الصخر البترولي والرمل البترولي، حسب طريقة تكوينه. ومن باب التوضيح، فإن الصخر البترولي غير البترول الصخري المعروف اليوم، الذي لا يختلف عن بترولنا إلا في كون وجوده داخل مسام صخور صماء غير منفذة. توجد كميات كبيرة من الصخر البترولي في ولاية كولورادو الأمريكية، وكذلك خارج أمريكا ولكن بكميات أقل، مثل الأردن والمغرب العربي ودول أخرى، وإنتاجه غير اقتصادي عند الأسعار الحالية.
والرمل البترولي توجد منه كميات كبيرة في كندا التي تنتج منه حاليّا مليوني برميل في اليوم. وما بقي من كمية البترول المكتشف الذي في باطن الأرض التي يمكن استخراجها اقتصاديا عند مستوى الأسعار الحالية تقارب تريليون برميل، إضافة إلى كميات غير محددة من البترول الصخري والرمل البترولي، التي من الممكن أن تكون كبيرة في حال صعود الأسعار إلى مستويات قياسية.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/06/18