مرضى السرطان وأدوية الدمار الشامل
محمد أحمد بابا
لست طبيبا ولا قريبا من ذلك، لكن التفكير في المرض والمرضى منذ صغري يأخذ مني الكثير من الوقت خوفا وبعض معاناة.
وحين ولجت مواقع التواصل الاجتماعي وبدأت أراقب مبادرات وحملات وتعاطفات وجدت الحديث عن مرض السرطان يأخذ قسطا كبيرا من نشاطات العمل الاجتماعي تكاتفا أو تضامنا وربما تعاطفا ومساعدة واحتفاء شفاء.
ومع أن كل نواحي التعاون مطلوبة في مصائب آخرين دينيا وإنسانيا إلا أنني فتشت عن الجانب الطبي البسيط في حرب هذا المرض مع الإنسان فلقيتني أفقر من يتيم على مائدة لئيم.
والقصد من تطرقي اليوم لهذا الجانب هو لغة مشتركة أبحث عنها بين مختصين في علم طبي يتصدر جبهة المقاومة والتسلط على هذا المرض الخطير وبين مصابين به أو خائفين منه أو ذوي مرضى به ليكون القاسم المشترك مفهوما بصفة صحية تفيد وتساعد.
ولست هنا أغفل ما تقوم به جمعيات معينة من تحسيس وتثقيف في الكشف المبكر عن سرطان الثدي مثلا، ولا جهود هنا أو هناك عن معافين من مرض السرطان ونحو ذلك، ولا جملة كتبت على السجائر أنها تسبب السرطان، إلا أن ما يبحث عنه فضولي هو ماذا قدم الأطباء الذين يعنون بالبحث الطبي العلمي الدوائي من إثراء معرفة مجتمعية عامة متوسطة الفهم عن مرض السرطان، وتجاه مرض السرطان، وبالتزامن مع تفاقم أزمات وفرص الإصابة بمرض السرطان؟
سأجد قطعا لو سألت مختصين إجابات من المجتمع الطبي بوجود أبحاث كثيرة وسعي حثيث للحاق بالركب العلمي في محاولة المواجهة الحقيقية مع مرض السرطان، وربما سيكون أمامي الكثير من الوثائق المحكمة علميا تدل بشكل مباشر على هذا الاتجاه، ولكن بين مسار أسير فيه كإنسان بسيط ومثلي الجمع الغفير وبين كلام تخصصي في الغالب لن يصل إلا لمستهدف يستوعب مصطلحات علم الطب وترجمة أبحاث الأكاديميين.
نحن اليوم وقد زاد مؤشر العدد التصاعدي للمصابين بمرض السرطان فوق صفيح ساخن، تشتد ناره على المصاب وذويه ومعارفه وعائلته ومجتمعه المحيط حين تتضارب ردة الفعل بين أحقية التعاطف وإمكانية المساعدة وحساسية الاستعجال وخطورة الانتظار وضعف شديد في الفهم والاستيعاب بل وشح كبير في معلومات يتلقاها ذوو الشأن من أطباء معالجين.
ولما وجدت بأن كثيرا ممن أعرف أو من أسمع عنهم لم يمهلهم مرض السرطان فترة زمنية طويلة فذهبوا لربهم بوفاة سببها المادي مرض خطير، وجدت مع ذلك بأن هذه الفترة الوجيزة التي قضاها غالب من مات بالسرطان بين اكتشافه حتى الوفاة إنما دقت ناقوس الخطر ابتداء من عينات أخذت من المريض تحليلا وتفتيشا وتكرار خزع وشق ولصق، ومن ثم ابتداء علاج كيميائي أو إشعاعي قرر الأطباء بعده أن الله لطيف بعباده، فقالوا: لا حيلة غير علاج تلطيفي لا نتائج مرجوة منه.
خرجت من بحثي الأعوج هذا بمقياس العلم لأقول ماذا لو لم يعلم مريض السرطان بالسرطان؟ هل فهم المصابون المرض منذ اكتشافه فهمهم للزكام؟ هل لو تركنا تلك الخلايا دون إعلان حرب ستستمر في هدوء حرب وتطول المدة؟ هل المبادرة بشن حملات الكيماوي والإشعاعي والبتر والاستئصال أثارت ضغينة الخلايا فأنتجت من أسلحة الدمار الشامل ما يسقط الشعر وينحل الجسم ويثري شفقة الطبيب فيقول لأحدهم: ابحث عن صالح يرقيك، فرحمة الله وسعت كل شيء؟
وهنا تظهر للسطح تناقضات معرفتنا بمرض السرطان ثم غرابة تعامل أفراد ومجتمع معه حين يكون سرا بين اثنين، وعجائب تعامل إدارة صحية معه بقوائم الانتظار رغم تصنيفه بالخطير، ثم شناعة فتكه في مدة بسيطة رغم بدء العلاج، وصولا لسؤال ملح بسيط: ماذا فعل الأطباء والطبيبات وكليات الطب ومراكز الأبحاث للوطن حيال مرض السرطان؟
والمحزن حقا هو الحيرة البيزنطية الكبيرة التي سكنتني وأنا أكتب هذا المقال، هل يحتمل السرطان الانتظار؟ أم هل يحتمل الانتظار السرطان؟ وهل شهور وأيام الانتظار مسرطنة؟
ثم قلت لنفسي: ماذا لو اكتشفنا عام 2057 بأن للسرطان علاجا منذ زمن، لكن بائعي الكيماوي باهظ الثمن كانوا ينتظرون فراغ الكمية؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/06/19