فاجعة بلقرن وتحديد المسؤولية
سطام المقرن
عدم توافر شروط السلامة، وكذلك التحذيرات المرورية، يعدان جريمتين جنائيتين في حد ذاتهما، يستدعيان دخول هيئات التحقيق، وإحالتهما إلى المحكمة المختصة
فُجع المجتمع السعودي في رمضان بحادث مروري وقع في محافظة بلقرن، راح ضحيته 3 فتيات من عائلة واحدة، وذلك بسبب وجود مشروع متعثر على الطريق تابع لبلدية المحافظة، إذ يفتقر المشروع إلى اللوحات المرورية والإرشادية والتحذيرية، إضافة إلى عدم وجود الحد الأدنى من اشتراطات الأمن والسلامة.
وكعادة الجهات الحكومية عند تبرير المشاريع المتعثرة ووقوع الحوادث، فقد صرحت بلدية بلقرن حول هذه القضية بالقول: إنه «لما لوحظ على المقاول البطء في التنفيذ، وعدم توافر وسائل السلامة الكافية، تم توجيه خطابات وإنذارات عدة. كما تم التنسيق مع مرور بلقرن. بشأن إلزام المقاول بتوفير اللوحات المرورية. تم مخاطبة الأمانة بشأن الإنذارات الموجهة إلى المقاول وعدم تجاوبه، وتمت موافقة الأمانة على سحب هذا المشروع بعد أخذ رأي المجلس البلدي»!.
ومما سبق، يتضح أن البلدية تحاول إلقاء المسؤولية كاملة على كاهل المقاول، وليس هذا وحسب، بل حتى المجلس البلدي يتجه هذا الاتجاه نفسه، على وجه من الوجوه، ولكن مع تحميل إدارة المشاريع بالبلدية جزءا من المسؤولية، بسبب استمرارها منح المقاول المهلة تلو الأخرى حتى وقعت الفاجعة!
والأدهى والأَمَرّ من ذلك، أن الجهات الرقابية وقفت على المشروع، ورصدت كثيرا من المخالفات والتأخر في التنفيذ، إذ كان من المفترض أن ينتهي المشروع عام 1437، نظرا لتسليمه للمقاول عام 1435، ومدة التنفيذ سنة ونصف السنة، إلا أنه ماطل في التنفيذ ولم يُعِر المشروع اهتمامه.
وعلى هذا الأساس، قد يتساءل القارئ الكريم ويقول: «إذا كانت البلدية قد فرضت غرامة التأخير وغرامة سوء الأداء على المقاول، ثم وجهت إليه الإنذارات حتى تقرر سحب المشروع منه، إضافة إلى رصد الجهات الرقابية المخالفات والتأخير في التنفيذ، ومع ذلك ما زال المقاول مستمرا في تهاونه وتقصيره، وعدم المبالاة بهذه الإجراءات، وكأن الأمر لا يعنيه، فما السرّ الذي يقف وراء هذا كله؟!».
السرّ يتمثل في تطبيق نصوص مواد نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، فيما يتعلق بالتأخر في التنفيذ، وسحب المشروع من المقاول، إذ تم استغلال هذه المواد للتهرّب من المسؤولية، إضافة إلى إعطاء بعض المقاولين الفرصة للمماطلة والتسويف، إضافة إلى أن بعض المقاولين تكون لديهم عدة مشاريع، وإمكاناتهم المادية والفنية غير قادرة على التنفيذ، فيتم نقل العمالة والمعدات من مشروع إلى آخر.
وبالتالي، تقوم بعض الجهات الحكومية بأخذ ما يناسبها من مواد النظام أو اللائحة التي تنتفع بها، أو على الأقل تعفيها من المسؤولية، وتتجاهل ما سواها!، ولهذا يدرك كثير من المقاولين هذا الإشكال، فيتقاعسون في أداء تنفيذ المشاريع، لعلمهم المسبق بالإجراءات البيروقراطية التي في الغالب لا تؤثر على أرباحهم في المشروع، بل إن هذا الأمر ربما يزيد من أرباح المقاولين ويقلل من تكاليفهم، وذلك في ظل عدم وجود أي مسؤولية على الجهات الحكومية!.
من مواد نظام المنافسات والمشتريات الحكومية التي تتجاهلها بعض الجهات الحكومية، والتي تعد جزءا مهما من المساءلة، كما أنها تشكل ذعرا لبعض المقاولين، ولكن للأسف يتم تجاهلها عند تعثر المشاريع، هي المادة «77» من النظام، والتي تنص على أنه «يجب على المتعاقدين والجهات الحكومية تنفيذ عقودهم وفقا لشروطها، وبحسن نية، وبما يقتضيه حسن سير المرفق العام ومصلحته، وعلى الوزارات والمصالح الحكومية والأجهزة ذات الشخصية المعنوية المستقلة إبلاغ وزارة المالية بحالات الغش والتحايل والتلاعب فور اكتشافها، وكذلك تزويدها بالقرارات التي تتخذ في هذا الخصوص بما في ذلك قرارات سحب العمل».
وبناء على المادة «77» من النظام يتم تشكيل لجنة في وزارة المالية للنظر في حالات الغش والتحايل والتلاعب، من أهم مهامها «النظر في طلبات الجهات الحكومية التي ترد إلى وزارة المالية بطلب منع التعامل مع المقاول الذي نفذ مشروعا تنفيذا معيبا أو مخالفا للشروط والمواصفات الموضوعة له»، ووفقا لهذه المادة يتم وضع الشركة أو المؤسسة في القائمة السوداء التي يمنع التعامل معها من الجهات الحكومية.
والسؤال الموجه الآن إلى بلدية محافظة بلقرن، وكذلك الأمانة والمجلس البلدي، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، إضافة إلى الجهات الرقابية: لماذا لم تتم إحالة المقاول المنفذ لمشروع السفلتة والأرصفة والإنارة 601 إلى وزارة المالية، للنظر في منع التعامل معه حسب النظام؟.
وليس هذا وحسب، بل إن عدم توافر شروط السلامة، وكذلك التحذيرات المرورية، يعدان جريمتين جنائيتين في حد ذاتهما، يستدعيان دخول هيئات التحقيق، وإحالتهما إلى المحكمة المختصة، فلماذا تم التهاون من البلدية والأمانة والمجلس والوزارة والجهات الرقابية في هذا الخصوص؟، فجميع هذه الجهات الحكومية مسؤولة أمام المجتمع وليس المقاول وحده.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/06/20