صواريخ دير الزور.. ورسائل الردع والنار الإيرانية!؟
هشام الهبيشان
تزامناً ،مع استهدفت القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني، مواقع لتنظيم “داعش”، في منطقة دير الزور السورية بعدة صواريخ باليستية متوسطة المدى، وإطلاق 6 صواريخ باليستية متوسطة المدى من قواعد صاروخية للقوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني في محافظتي كردستان وكرمانشاه غرب إيران، وأصابت أهدافها بدقة بعد أن عبرت سماء العراق،رداً على عمليات التنظيم الإرهابية في العاصمة طهران ،هذا الاستهداف يأتي أيضاً بالتزامن مع مسار ضغط سياسي وأمني كبير يخص علاقة إيران بالإدارة الأمريكية الجديدة وببعض جيرانها الخليجيين بالتحديد، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة،وتهديدات إدارة ترامب بنسف كل التفاهمات مع إيران بخصوص ملفها النووي ،وتهديدات الكيان الصهيوني العسكرية المتكررة للدولة الإيرانية ومحاولة عرقلة تنفيذ بنود اتفاقها النووي مع قوى 5+1، وفي ظل علاقة الدولة الإيرانية المتوترة مع بعض دول الخليج بهذه الفترة تحديداً، وتكرار حديث بعض دول الخليج عن ضرورة تشكيل حلف إقليمي – دولي موحد جزء من أهدافه كما تؤكد بعض الأنظمة الخليجية التصدي للتمدد الإيراني بالمنطقة .
من هنا يمكن قراءة أن هذا الاستهداف العسكري المباشر للتنظيم الإرهابي ،ومجموعة الرسائل المرسلة بمختلف الاتجاهات التي حملها إطلاق هذه الصواريخ ، جاءت بهذه الفترة تحديداً لتحمل عدة رسائل خارجية وداخلية ، فهذا الاستهداف وفق ما يصدر عن الإيرانيين ابرز حجم التطور الصناعي العسكري الإيراني ،وقدرة الجيش والحرس الإيراني الواسعة والمحكمة بالقيام بعمليات هجومية واسعة ، ولتظهر تطور عمل وتقنيات السلاح العسكري للجيش وللحرس الإيراني ، فكل هذه العوامل تدفع لقراءة أن مضامين الرسائل الإيرانية من وراء هذا الاستهداف تحمل عدة إبعاد والمقصود بها عدة أطراف داخلية وخارجية إقليمية ودولية ، وتحمل عدة رسائل رئيسية:
أولى :هذه الرسائل التي يحملها إطلاق هذه الصواريخ ، هي موجهة إلى بعض دول الإقليم وتحديداً بعض دول الخليج بالإضافة إلى الكيان الصهيوني “إسرائيل” ، فهذه الدول التي تحيط بالدولة الإيرانية ، والتي حاولت وما زالت تحاول بالفترة الأخيرة، أن تضغط على الدولة الإيرانية إقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً ،من خلال تلويح هذه الدول بإنشاء حلف مشترك ، وتهديد بعض الساسة الصهاينة بتنفيذ ضربات عسكرية صهيونية تستهدف قواعد المفاعلات النووية الإيرانية، ومن هنا جاء هذا الاستهداف العسكري المباشر لتنظيم داعش الإرهابي لتثبت إيران لهذه الدول أن إيران حاضرة وحاضرة بقوة في الإقليم ككل كقوة إقليمية، فقيامها بعمليات عسكرية كبيرة ، واستخدام صنوف أسلحة متطورة، يعني أن الدولة الإيرانية ما زالت حاضرة وبقوة بالمشهد الإقليمي،وأنها قادرة على الرد على أي عمل عدواني من أي جهة كانت ، فالواضح هنا أن إطلاق هذه الصواريخ من خلال طريقة عملها ستثبت أن هذه العملية ذات طابع هجومي وليست ذات طابع دفاعي.
ثانية: هذه الرسائل ،موجهة إلى كل دولة ونظام وهيئة دولية تحاول الضغط على الدولة الإيرانية من خلال الاتفاق النووي،سواء أكان اقتصادياً وسياسياً وامنياً ، وبالخصوص هي موجهة إلى محور واشنطن ، ومضمون هذه الرسالة أن الدولة الإيرانية لن ترضخ لأي املاءات تسعى الدول الغربية لفرضها على إيران كثمن للاتفاق النووي، لا بل على العكس فالدولة الإيرانية ستستمر بمسار بناء وتطوير قدرات الدولة الإيرانية بمختلف المجالات ، ومن خلال قراءة مسار عملية ضربة دير الزور العسكرية الأخيرة ،يمكن القول أن الدولة الإيرانية قد أوصلت رسالتها للغرب ومضمونها أنه لايمكن لإيران أن تقدم أي تنازلات تخرج عن مصلحتها الوطنية العليا، وهي جاهزة لكل الخيارات ، ومنها الخيار العسكري، فهي هنا أبرزت وستبرز حجم قدراتها القتالية والعسكرية ، كدليل على أنها لن تقبل أن تقدم أي تنازلات عن مرتكزات سيادية وأمنية كثمن للاتفاق النووي .
ثالثة: هذه الرسائل وأهمها ،هي موجهة إلى الداخل الإيراني ، فقد برز واضحاً أن الدولة الإيرانية قد تعرضت بالفترة الأخيرة لمجموعة تهديدات واستهدافات كان أخرها العمليات الإرهابية في طهران ، وجاءت عملية دير الزور لتؤكد للداخل الإيراني متانة وقوة إيران العسكرية ، ومن جهة أخرى أبرز حجم الرد على عملية طهران الإرهابية مدى تطور القوة العسكرية الإيرانية ، ومن هنا وصلت الرسالة للشعب الإيراني وجزء منه بعض الجماعات المعارضة بالداخل الإيراني، ولبعض الأطراف التي راهنت على الشعب الإيراني ، ومضمونها أن الدولة الإيرانية ما زالت تتمتع بقوة كبيرة ، وهي بحالة تتطور مستمر ، وأن التهديد باستهداف إيران مجدداً سيكون ثمن الرد عليه قاسي جداً على المعتدين ومن يقف خلفهم.
رابعة: هذه الرسائل ، موجهة إلى حلفاء الدولة الإيرانية، إقليمياً ودولياً، دمشق – موسكو -بكين “تحديداً” وإلى بعض فصائل وقوى المقاومة بلبنان وفلسطين، وإلى بعض القوى بالداخل اليمني ، ومضمون هذه الرسالة هو أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من أوراق القوة ولديها الكثير من الإمكانيات والمقومات التي ستوفر لها ولحلفائها بالإقليم تحديداً نوعاً من التوازن العسكري والأمني ، مع حلف أخر يسعى لإسقاط تحالف إيران الإقليمي والدولي .
ختاماً ، أن مسار عملية دير الزور ، سيأخذ بالتأكيد مسار تحليلي عسكري كبير ، وخصوصاً من المحور المعادي لطهران ،فالعملية بحجمها وطريقة عملها تؤكد أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت طوال الفترة الماضية وإلى الآن قادرة على ردع أي خطر إقليمي أو دولي يتهدد أراضيها وشعبها، فهي أثبتت بهذه “العملية ” بأنها مازالت قوة إقليمية كبرى، وأنها مازالت قادرة على الحفاظ على مصالح الشعب الإيراني داخلياً وتطوير وبناء مؤسسات الدولة الإيرانية دون الارتهان لمسار الضغوط وبجهود وقدرات ذاتية، وأنها بذات الإطار قادرة وباستمرار على المحافظة على مكانتها الإقليمية والتصدي لكل من يحاول التعدي على هذه المكانة الإقليمية .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/22