النهاب
هالة القحطاني
النهاب شخص صفيق، عديم الإحساس، لا يشعر إلا بحاجته فقط، يستغل حب المرأة التي في منزله، لينهب مالها وراتبها وشقاها، شخص انتزعت منه المروءة
لا يمكن أن نجد رجلا محترما في هذه الدنيا، يدّعي أنه مسؤول، أو يهتم لأمر المرأة التي في بيته، ويقبل أو يبرر لنفسه بأن أخذ جزءٍ من مالها أو ميراثها، من حقه وحلاله، لأنه يتولى أمرها بشكل رسمي أو على الورق فقط.، ولم أجد في قصص الحياة التي نتعثر بها ظلما وجورا، بحجم الظلم الذي تتعرض له بعض النساء من ذويهن.
عاشت الطبيبة «أحلام» كالرهينة عند والدها، بعد أن توظفت في أحد المستشفيات المتخصصة في مدينة الرياض، إذ كان يرفض تزويجها ولا يقبل النقاش في الأمر، متحججا بضعف أصل من يتقدمون لها. فرض عليها أن تتكلف بمصاريف المنزل والصيانة، لاعتقاده أنه كان كريما معها، حين سمح لها بدراسة الطب، إذ لم يكن ليسمح لها أن تدخل هذا المجال، إلا من أجل أن تساعده، وعلى الرغم من وجود 4 إخوة ذكور لها، كان والدها لا يسمح لهم بالتكفل بأي شيء، حتى لو تطوع أحدهم يرفض بقوة، مبررا أن هذا من مسؤولية «أحلام».
كانت لا تقوى أن تدخر شيئا لنفسها، كيلا يغضب ويمنعها الذهاب إلى العمل. وحين بلغت الثانية والثلاثين، تدخّل أخوالها وأجبروه على تزويجها من زميل تقدم لها، ولأن زوجها كان يعلم مسبقا بعضل وطمع والدها، عزف لها لحن الحب والوفاء من أجل بناء عش الزوجية معا.
اعتقدت في البداية أن زوجها أنقذها من استغلال أبيها، لتكتشف أنها سقطت في بئر زوج نهّاب، تفنن في ابتزازها عاطفيا ونفسيا، فكان يدفعها إلى التكفل بواجباته، وأخذ قرض جديد له بطريقة ملتوية، من خلال تمثيل المرض تارة، والاكتئاب والحزن تارة أخرى، فحين تسأله عما أهمه، يدّعي بأن البنك جمّد حسابه، أو اكتشف أن عليه مخالفات بالآلاف، سحبت كامل راتبه وهكذا، فتندفع بكل وفاء لتساعده وتنهي أحزانه ومشاكله المالية. وبعد أن حاصرتها القروض والديون، أعطاها الزوج النهّاب ظهره واختفى.
أما «منال» فبعد زواجها بـ4 سنوات، اكتشفت أن زوجها لم يستطع تسجيل مولودتهما الجديدة، بسبب أمر بإيقاف خدماته، بعد أن اختفى صديق له، وتوقف كليا عن تسديد أقساط سيارة كان قد كفله لشرائها. وحين تراكمت الأقساط، حكمت عليه المحكمة آنذاك، بتسديد أقساط من كفله لأن الكفيل غارم.
شعرت منال بخيبة الأمل، إذ كانت تذهب إلى عملها يوميا مع إحدى زميلاتها، لأن زوجها كان يتذمر بأنه يتأخر عن عمله إذا أوصلها. فوعدها بشراء سيارة ووضع سائق لها، وبسبب إيقاف خدماته لم يستطع أن يكمل وعده، فاقترح عليها، أن تشتري السيارة باسمها، كي تُقتطع أقساطها من راتبها شهريا، بعد أن قطع عهدا على نفسه بتسديد مبلغ القسط لها مع نهاية كل شهر.
في الشهر الأول دفعه كما وعد، وفي الشهر الثاني تباطأ، كمن يجس نبضها إن كانت نسيت لينسى هو الآخر،
ولكن حين لمّحت له أبدى انزعاجه، ثم سدد لها جزءا، وفي الشهر الثالث تأخر، وحين ذكّرته هذه المرة امتعض كثيرا. وتوالت الأشهر، ولم يوف بوعده، وحين سألتُها لماذا صمتت عن ذلك، قالت إنها حين كانت تُذكّره، يغضب ويختلق شجارا ليترك المنزل ويتغيب بالأسابيع، تاركا مسؤولية كل شيء على عاتقها. اعتقدت بأنه سيوفِ بوعده من تلقاء نفسه بعد فترة، ولكن كل هذا لم يحدث، مرت سنوات، وأنهت «منال» سداد الأقساط، ولم يُعِدْ إليها ذلك النهاب ريالا واحدا إلى الآن.
وحين تزوجت «وضحى» الموظفة في شركة بتروكيماويات، اعتقدت في البداية أن قبولها بمبدأ المشاركة في مصاريف المنزل أمر حتمي لا بد منه، من أجل أن تمشّي المركب، وتوفر حياة كريمة لأسرتها، فشاركته في دفع إيجار شقتهما الصغيرة، وشراء ملابس أبنائهما، وسداد رسوم المدارس، وهكذا، كانت تخجل من طلب شيء منه لها، وتستغرب داخل نفسها من عدم إنفاقه عليها. مع مرور الوقت كبر الصغار وزادت احتياجاتهم، فوجدت «وضحى» أنها أصبحت تتكفل بكل شيء بمفردها، أمام تعذره المستمر بأنه خسر أمواله في الأسهم، في ذلك اليوم الأسود، وحين يستعيد ما خسر، سيعوضها خيرا ثمن وقفتها النبيلة، ولكن هذا النهّاب أيضا لم يفعل، بل كان يتهرب، ويتهرب حتى بعد أن رزقه الله.
لكل متضررة، مالك وراتبك الذي حصلتِ عليه من عملك، كان ثمنا لمجهودك، واعلمي أنه مهما بذلتِ من تفهم لوضع زوجك وتفانٍ في الخدمة داخل المنزل وخارجه، من أجل توفير مصاريف الحياة، ومساعدة من تجب عليه المسؤولية والإنفاق، سينقلب ضدك ويستنكر ويتهرب، ما إن تتوقفي عن الإسهام، مهما كان وضعك داخل الأسرة، فبعض الذكور لا يستحون أبدا.
وتذكري أن النهّاب شخص صفيق، عديم الإحساس، لا يشعر إلا بحاجته فقط، يستغل حب المرأة التي في منزله، لينهب مالها وراتبها وشقاها، شخص انتزعت من جسده المروءة، فتمسك بالقوامة ليأخذ ويأمر وينهي، متغافلا عن جميع واجباته من مسؤولية وعطاء وإنفاق.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/06/25