كثافة الاقتراحات وشحّ التطبيقات!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
إذَا جَلسَتَ فِي أَي مَجلِس، تَسْمَع عَشرَات الأَفكَار والاقترَاحَات الخَلاَّقَة والنَّاجِحَة، ولَكن هُنَاك عيب فِي هَذه الاقترَاحَات، وهِي أَنَّها تَسكُن فِي دَائِرَة التَّنظيرَات والأقوَال، ولَا تَنتَقل إلَى دَائِرة التَّطبيقَات والأفعَال..!
إنَّنا فِعلاً بحَاجةٍ إلَى دَورات مُتَتالية، تُحفِّزنَا وتُدرِّبنَا وتُعلِّمنا؛ عَلى تَرجمة الأقوَال إلَى أَفعَال، خَاصَّة وأنَّ كُلّ النّصوص الشَّرعيَّة تُلازم بَين القَولِ والعَمَل، والله –عَزَّ وجَلَّ- خَلقنا ليَبلونَا أَيُّنَا أَحسُن عَملاً. لَيس العَمَل فَقَط، بَل العَمَل الأَحْسَن..!
وإذَا أَردنَا أَنْ نُخصِّص العَام فِي هَذه الفِكرَة، فلَا مَفرّ مِن الاستشهَاد بكَلام أُستَاذنا الفَيلسوف، البَاحث «فؤاد كامل» الذي يَقول: (يَنبَغي أَنْ نَتحوَّل مِن صِنَاعة الكَلِمَات، إلَى صِنَاعة الأشيَاء، ومِن اجترَار المَنظومَات والأرَاجيز، إلَى نُظُم الفِكر والحَيَاة)..!
أَكثَر مِن ذَلك، يُؤكِّد الفَيلسوف الدّكتور «زكي نجيب محمود»؛ أَنَّ مِن أَبرَز مُشكلاتنَا الكُبرَى هِي: (الدّخُول إلَى عَصر العِلْم والصِّنَاعَة، دُون أَنْ نُدرك الانتقَال الانقلَابي العَميق؛ الذي انتَقَل بِهِ الإنسَان المُعَاصِر -فِي البِلَاد المُتقدِّمَة- مِن مَعرفة اللَّفظ إلَى مَعرفة الأدَاء، عَصرٌ يُركِّز ثَقَافته فِي أَنَابيب ومَعَامِل، ومَصَانع وأَجهِزَة بَالِغَة الدِّقة.. والمُشكلَة الكُبرَى الآن هِي: كَيف نَتحوَّل مِن ثَقَافة اللَّفظ، إلَى ثَقَافة العِلْم والتَّقنية والصِّنَاعَة).. ثُمَّ يُؤكِّد فِكرته بقَوله: (عَصرنَا هَذا هو عَصر التَّحوُّل.. تَحوُّل مِن حَضَارة اللَّفظ إلَى حَضَارة الأَدَاء.. إنَّه تَحوُّل يَسير فِي خَطٍّ وَاحِد، لَا مَجال فِيهِ للاختيَار والتَّردُّد، إذْ هو دَائِماً وفي جَميع الحَالَات: انتقَال مِن ثَقَافة الكَلِمَة؛ إلَى ثَقَافةِ العِلْم المُؤدِّي إلَى عَمل)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: لَيتنَا نُطبِّق نِصف الأفكَار التي نَقترحهَا، ولِي تَجربَة مَريرة فِي هَذا الشَّأن، فكَثيراً مِن الأحيَان، يَتَّصل بِي بَعض النَّاس –مِثلَمَا يَتَّصلون بغَيري مِن الكُتَّاب- طَالبين أَنْ أَطرَح فِي الصُّحف؛ قَضيَّة مُعيَّنة يَرغبونها، فأُرحِّب بذَلك، ولَكن أَطلب مِنهم أَنْ يُرسلوا لِي عَلَى الإيميل، خُلَاصة المُشكِلَة والقَضيَّة، حَتَّى أَنقلهَا كَمَا وَصلَتني، لَكن المُلاحَظ أَنَّ 90% مِن الذين أَطلُب مِنهم ذَلك، يُولُّون الدُّبر، ويَختَفون فَجأَة..!!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/06/30