السعودية وقطر .. هل من خط ثالث؟
د.حسن العمري
تلقت قطر أخيراً قائمة متطلبات جماعية من السعودية وحلفائها ، والحقيقة أنه رغم تهافت أغلب – وليس كل -بنود هذه المطالب ومخالفة أكثرها للقوانين والمواثيق الدولية ، ورغم ركاكة صياغتها وإفتقادها للتكييف القانوني السليم وخلطها بعض القضايا والمخاوف الدولية الهامة بمطالب أمنية بوليسية غير مشروعة تهم أمن الدول المطالبه بها ، إلا أن أهمية مثل هذه المطالب لاتنبع عن مدى شرعية هذه المتطلبات فحسب ! بل تنبع من أهمية وخطورة الدول المطالبه بها والتي هي دول مركزية في المنطقة كالسعودية ومصر ودولة هامة كالإمارات ، وهذه المطالب بلاشك تكشف عن خلاف عميق أدى بهذه الدول الي اتخاذ هذه القرارات القاسية ويبدو أن صياغة هذه المطالب لم تتم من قبل هيئات قانونية في داخل هذه الدول بل لايجد المتأمل كثير عناء في إكتشاف أن صياغتها تمت في مكاتب خاصة بشيوخ وأمراء الدول التي أصدرتها بعيداً عن مؤسسات هذه الدول ونوابها إن كان لديها نواب وعن عيون مستشاريهم القانونيين وفقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية .
وبغض النظر عن الخلافات المبنية على التنافس والمماحكات الشخصية بين بعض العائلات الحاكمة في المنطقة فإن مايعنينا هنا هو الخلاف المتعلق بالمفاهيم والتصورات ، وهذا الخلاف عميق جداً بعمق مفاهيم الإشكاليات الرئيسية التي يختلف عليها الطرفان والتي هي غالباً تمحورت حول ( مفهوم الإرهاب – مفهوم المقاومة - مفهوم السيادة وإشكالية الدولة الوطنية الحديثة – مفهوم العولمة “المخططة من قبل الدول القوية” - الإسلام السياسي “الصراع عليه ومنه” – مفهوم الأمن بأبعاده الإقليمية والعربية والإسلامية) .
هذه المفاهيم تحديداً هي جذور الخلاف لأغلب النقاط التي وردت في لائحة المتطلبات الجماعية ، وبالتأكيد إن لكل طرف من الطرفين تصوراته وتكييفه القانوني لوجهة نظره بخصوص هذه النقاط ، وعلى هذا الأساس يتم الإصطفاف بين الطرفين وحشد المؤيدين كما في حفلة الجنون الواقعة الآن ، لكن أيا من الطرفين ومهما حشد من تأييد دولي أو إقليمي لتأكيد وجاهة موقفه فإن ذلك ليس كافياً ، خصوصاً بالنسبة لدولة قطر – على الأقل- والتي هي في مأزق حقيقي أمام هذا الحصار والعزلة من قبل هذه الدول القوية والهامة والتي لن تكتفي بهذه الإجراءات – بعيداً عن مدى شرعيتها- لكنها بالتأكيد ستسعى الي الإضرار بقطر بكل الطرق الممكنة ، فضلا أنه ليس من مصلحة قطر على المدى الإستراتيجي – حتى لو إستطاعت ذلك – أن تحشد قوى “الضد” للإصطفاف معها مثل تركيا وإيران أو حتى روسيا وغيرها من الدول ، فإنها بذلك ستكون ساحة لحرب كبيرة ذات خلفيات متشابكة ومعقدة ، والخوف أن تصبح قطر في إتون هذا الصراع “مكسر العصا” بين هذه الأطراف الدولية الكبيرة .
إن منطلقنا في كتابة هذا النصح و التحذير هو لحفظ مكونات الأمة العربية وتضامنها رغم الواقع المتشظي والأليم ، ومن باب الإصلاح البناء والدعوة لسماع صوت العقل من قبل الطرفين على حد سواء ، ونحن لانحجب الحقيقة الماثلة في ضياع البوصلة العربية والخليجية والأزمة التي تمر بها السعودية تحديدا التي هي رأس الحربة في هذه الأزمة فالنظام السعودي الآن غير مستقر ويمر بتقلبات وأزمة خانقة نتيجة أسباب كثيرة يطول شرحها ، كما أن قطر وتبنيها لخيارات سياسية إتخذها “تنظيم” جماعة ” الإخوان المسلمون” قد أوقعتها أيضا في أزمات عديدة ليس أقلها تسعير ماحصل في سوريا وتأييد خيارات حزب الإصلاح في اليمن مما سبب المأساة الكبيرة هناك ، لاشك ان الخلاف في وجهات النظر وتقديم التبريرات قد يُسوغ لدى مؤيدى الجماعة مثل هذه الخيارات ، لكن الأمور تسير بعكسها كما أن المتغيرات على الأرض تكشف كثير من الحقائق التي أفصحت عن عدم سلامة كثير من تلك الخيارات التي تبناها “التنظيم” وداعموه .
هل هناك خط ثالث ؟
ليس مجال طرحنا هنا التطرق لأي حلول دبلوماسية أو وساطات وإن كانت مطلوبة لتخفيف الإحتقان وفتح قنوات حوار بين الأطراف ، لكن مايهمنا حقيقةً هو إيجاد حلول منطقية ودائمة لقضايا منطقتنا المتوترة ، إن خطاً ثالثاً هو ماندعو اليه وهو مانشجع المثقفين والكتاب والصحفيين والأكاديميين وأبناء المنطقة من السير فيه ، فلا الإصطفافات مع أحد الفريقين بالمطلق مفيدة ، وبذل الجهود في تصحيح رؤي فريق بذاته ليست أمراً محموداً كذلك .
إن الإشكاليات في المفاهيم السابقة التي تمحورت حولها نقاط الخلاف هو مايجب ان ننطلق منه لإيجاد موقف لنا كخط ثالث ، خط لايصطف مع أحد الفريقين بالجملة بل يكون خطاً يعالج النقاط المشوشة في المفاهيم والتصورات التي أسست لمثل هذه الخلافات ، والحقيقة أنها أسست لخلافات وأزمات اكبر وأعمق مما بين مشائخ وأمراء الخليج ، لقد تسببت في ضياع التضامن العربي والإسلامي وأسست للفرقة والإختلاف وكرست الإستبداد وأطالت الأسباب التي يتغذي عليها الخلاف!!
إن أسئلة ومناقشات جادة عن مثل : ماهو الإرهاب ؟ ماهو التوصيف القانوني له ؟ م
ن يحق له وصم طرف بالإرهاب وبالتالي إدراجه على قوائم الإرهاب لديه ؟ هل المقاومة إرهاب ؟ ماهي شرعيتها ؟ ما مصير دول المقاومة وأتباعها ؟ ما مفهوم السيادة في ظل قضم العولمة وإختراقها لمفاهيم سيادة الدول لصالحها؟ وجود قواعد عسكرية أو تحالف مع دول عظمي كأمريكا أو بريطانيا وتأسيس حلف إسلامي بقيادتها هل يحفظ السيادة ؟ هل وجود قواعد لدول إسلامية أو تحالفات مع دول إسلامية كتركيا أو حتى إيران يخل بالسيادة او التضامن الإسلامي؟ ماهو مفهومنا للأمن بكافة أبعاده ؟ ماهو موقع المقاومة منه ؟ ماهو موقع الكيان الإسرائيلي منه ؟ – ماهو موقع السياسة من الدين ؟ ومن يحق له إحتكار مفاهيمه ؟ ماهي قدرة تنظيم الإخوان – محل الخلاف – على إتخاذ خيارات سياسية نتج عنها حروب يتم وصفها بالجهاد ويترتب عليها تحريض وتجنيد للشباب ، بالطبع الحديث عن “التنظيم” لا “التيار” ! ، ماحقيقة الصراع على الإسلام السياسي- إن جاز التعبير – بين قطر والسعودية التي تعتبر أن جماعة الإخوان خرجت من بيت طاعتها ؟ ماهي الأفكار المؤسسة لفكر جماعة الإخوان الملتبسة مثل قضايا “الحاكمية” وقضايا “المجتمع الجاهلي” وشعار “تطبيق الشريعة” الملتبس وتحكيم “القرآن ” برسمه دستور للدوله ومدى مناسبة شعاراتها كشعار “الإسلام هو الحل” وغيرها من القضايا التأسيسية الهامة ، هل جرت مراجعتها ، وهل قام “التنظيم” وليس “التيار” بإمتثال كثير من المراجعات الفكرية القيمة التي قام بها رموز ومفكرين من الجماعة ومن خارجها سواءاً المراجعات الفردية أم الجماعية على غرار ماقامت به أحزاب ذات خلفية إخوانية في تونس والمغرب …الخ ؟
كمطالبين بخط ثالث يقوم على الوقوف على مسافة واحدة من الطرفين ودعوة جميع الأطراف لخوض نقاش جدي ومراجعات حقيقية مؤسسية بحيث يكتب لها الإستمرار لمراجعة الإشكالات المفاهيمية السابقة ، نعتقد ان مثل هذا العمل لن يؤتى أكله عاجلاً ولكن بلا شك سوف يثبت جدية الطرف الممتثل لمثل هذا التوجه العقلاني الراشد ، بل إن مثل هذا النهج سوف يضمن تضامن وإحترام ودعم الجماهير العريضة والنخب التي لاتريد ان تصطف إصطفافاً أعمى مع أحد الأطراف .
في مقالات قادمة سنحاول مناقشة تلك الإشكالات المفاهيمية التي سببت مثل هذه الأزمة وسنتناول اولاً (ماذا يجب أن تفعل قطر تجاه جماعة “الإخوان المسلمون” تياراً وتنظيماً ؟) وبما لايستثنى مناقشة ونقد الأطراف الأخرى التي هي جزء أساس من الأزمة .
والله من وراء القصد ،،،،
مدونة د. حسن العمري
أضيف بتاريخ :2017/07/01