آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله فدعق
عن الكاتب :
فقيه ومفكر إسلامي، أخذ العلوم الإسلامية عن عدد من العلماء في المسجد الحرام وغيره، أبرزهم جده إمام الشافعية حسن فدعق

الفتنة المستترة وجوبا


عبدالله فدعق

ليس خطأ أن نقول إن أزمة الفكر تتصدر أزمات الناس اليوم، أو هي التي ينبغي أن تتصدر أزمات المجتمعات، وليس خطأ أيضا أن نقول إن تضاؤل المفكرين الحقيقيين بات من الوضوح بمكان، بحيث صار صعبا جدا في أيامنا هذه، أن نجد نصف -أو حتى نصيف- الفارابي أو ابن سينا أو الكندي أو ابن باجة أو ابن رشد أو ابن القف أو الأبهري أو ابن التلميذ أو ابن السقلاب أو ابن النفيس أو ابن ملكا أو ابن الخطيب أو ابن الهيثم أو الغزالي وغيرهم، رحمهم الله رحمة واسعة، وجازاهم خيرا..

سنظل عالة عليهم، بخيارنا أو بدونه، سواء في كل أطروحاتهم، أو في بعضها، ومن هذا البعض الحكمة الشهيرة التي ذكرها ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع الحديث، ونصها: «الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين، تجارة رائجة جدا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات»، وهناك حكمة لا تقل جمالا عنها، اشتهرت عن ابن رشد، ولم أقف على مصدرها، ونصها: «التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، وإذا أردت أن تتحكم في جاهل فعليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني»، وكلتا الحكمتين السابقتين تلخيص موفق للحال الذي مررنا به، والمآل الذي وصلنا إليه، وفيهما وقاية لمستقبل بهي ننشده..

من القصص الشهيرة، وربما تكون خيالية، عن مصيبة الجهل وأثره الوخيم، أن كريستوفر كولومبوس هدد الهنود الحمر بأنه سيسرق القمر منهم إذا لم يمنحوه الطعام والمؤن التي تكفي طاقمه، ولم يعرفوا أنه قادر على تنفيذ تهديده، وكان الفلكيون الذين رافقوا كولومبوس قد أخبروه بأن خسوفا كاملا سيحدث بعد عدة أيام، وحين غاب القمر جاء الهنود المساكين إلى كولومبوس، يتوسلون إليه لإعادة القمر وتنفيذ كل مطالبه، وفي الليلة التالية عاد القمر إليهم معتقدين أن كولومبوس هو من أعاده لهم، ومنذ تلك الليلة ربح الهنود القمر، ولكنهم خسروا قارة بكامل ثرواتها.

الجهل بيئة خصبة لاستغلال المتصفين به، وباسم الدين في المرتبة الأعلى، وما على مريدي السلامة إلا النجاة بأنفسهم وبمن حولهم، خاصة وقد ثبت أننا جميعا بحاجة إلى استخدام العقل وإتباع المنطق، في إطار الدين، ولا سيما ونحن نعاني من تغليف كل شيء بالدين، ومن إقناع غالب المتدينين لمن حولهم بالباطل، حتى صار الدين كما هو مشاهد، خادما للأهواء الشخصية، والطموحات الفردية الخاصة، ووصل التسطيح بأفكار المجتمعات إلى أن معاداة التطرف والتشدد والعنف، تغريب ينبغي محاربته، وأن تغذية الإرهاب، والتيارات المتشددة، وإراقة الدماء أعمال مفروضة، وأن الأجندات الظلامية الخاصة دين يجب العمل من أجل خدمتها، والتعاون معها.
 
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/07/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد