هل ستركز قطر على ماذا يعني أن الإمارات هي “السنتر” في الأزمة الخليجية..
عبدالوهاب الشرفي
تركز قطر في سجالها الإعلامي مع دول الحصار على الإمارات و هذا الأمر يعكس استيعابها أن مركز الأزمة هو أبوظبي ، لكن تعاطيها مع الأزمة مؤخرا – الذي كان بارعا في البداية – يوضح أنها تستوعب أن أبوظبي هي المركز لكنها لا تقدر جيدا ماذا يعني أن تكون أبوظبي هي ” السنتر ” .
كانت ثورات ” الربيع العربي ” قد فاجئت الحكام العرب ككل و حكام دول ” الربيع العربي ” على وجه الخصوص ، لكنهم لم يكونوا هم المتفاجئون الوحيدون بتلك الأحداث فقد كان أصحاب المشاريع الدولية في المنطقة هم ضمن المتفاجئين كذلك ، ومع أن الحكومات العربية كانت ما بين مجاري للمشاريع الدولية في المنطقة وبين فاقد للاعتناء بها إلا أن توجهات ” التوريث ” أو ” الاحتكار العملي للسلطة ” كانت بادية و كان العمل عليها يسير بشكل سلس و هنا كان تفاجئ حكومات ” الربيع العربي ” أن تلك الثورات خرجت في وقت كانت تضن أنها في ذروة سيطرتها على السلطة في بلدانها .
كان الكيان الصهيوني يرقب المشهد في المنطقة “بفزع″ يفوق فزع حكومات الربيع العربي، فالمشاريع الدولية في المنطقة التي يأتي أمن الكيان الصهيوني في جوهرها معرضة لمخاطر حقيقية، وكان السؤال الملح ماذا لو تمكن شارع “الربيع العربي” أن يتوسع أكثر وأن يفرز حكوماته بنفسه؟ و ماذا لو انتهت هذه الأحداث بحكومات وطنية بالفعل لا تكون مروضة أو يأسة كحال الحكومات العربية الحالية؟.
تونس كانت البداية ، و مصر البلد العربي الأكبر و المحادد و الداخل مع الكيان الصهيوني في اتفاقية سلام ، ليبيا أحد أكبر البلدان ثروة نفطية ، واليمن البلد الجاثم على مدخل البحر الأحمر و مضيق باب المندب و المجتمع النابض برفض التطبيع بشكل مطلق ، كل هذه الدول – حتى تلك اللحظة من ” الربيع العربي ” – ماذا لو تمكنت ثوراتها أن توصل حكومات وطنية و عروبية إلى السلطة فيها؟ إلا يشكل الأمر تهديدا مباشرا لأمن الكيان الصهيوني؟.
كان القرار هو التدخل العاجل في مهمة تشكيل الحكومات بما يتناسب مع المشاريع الدولية و ليس بشكل حماية هذه المشاريع وحسب وإنما بما يتناسب مع تفعيلها بشكل أكبر وعلى مسارين، أولهما استكمال “الربيع العربي” بما يطيح بالحكومات الغير منسجمة مع تلك المشاريع الدولية و ثانيهما إعادة صياغة الحكومات التي وصلت تبعا “للربيع العربي” إلى الحكم و الغير مرغوب فيها كذلك.
تسيّد الإخوان مشهد “الربيع العربي” ورغم سلبية حرفهم للثورات من حركات يفترض بها أن تنتج نتائج وطنية إلى حركات انتجت نتائج “إخوانية” الآن أن النتائج الإخوانية هي أيضا غير مرغوب فيها لحملها أيدلوجيا دينية يصعب ترويضها لاستيعاب كامل متطلبات المرحلة القادمة من جهة كما يمكنها أن تمثل عمقا جيوسياسيا لواحدة من أخطر الحركات المقاومة للكيان الصهيوني و هي حركة حماس من جهة ثانية.
استخدمت حالة العداء الإخواني الإيراني و التطلع التركي الهارب من خيباته مع الاتحاد الأوربي باتجاه العالم العربي لتوجيه الأحداث باتجاه توضيف التسيد الإخواني للحدث لتحقيق أمرين الأول هو إزاحة الحكومة السورية المصنفة ضمن ما يعرف ” بمحور المقاومة ” و الخطيرة على أمن الكيان الصهيوني بالاستفادة من حالة الثأر القائمة بين النظام السوري وبين الإخوان المسلمين على خلفية أحداث حماة و بالاستفادة من العاملين السابقين – حالة العداء المزروعة مع إيران و التطلع التركي باتجاه العالم العربي – و الأمر الأخر هو خلق الخصم للتسيّد الإخواني ليمثل أداة إعادة صياغة الحكومات التي أفرزها ” الربيع العربي ” بما ينسجم مع أهداف المرحلة القادمة .
كانت الإمارات العربية المتحدة دولة تهتم بالاقتصاد و لم تكن حاضرة في المشهد السياسي للمنطقة ، لكن لم تكن الاستثمارات هي الوحيدة التي تتفق للإمارات وإنما كان يتدفق معها مشاريع سياسية عادة ما تكون هي الهدف الرئيسي من توجيه الاستثمارات إلي أي بلد – كما تم الدفع بالاستثمارات من قبل إلى دول ما عرف بالنمور الآسيوية في حينه – وكانت حالة الاضطراب المحيط بالكيان الصهيوني هي اللحضة التي يجب أن يدخل الاقتصاد الإماراتي الضخم في المشهد السياسي ، وكان لابد من البدء بوقيعة بين الإمارات و بين التيار المستهدف ” الإخوان المسلمين ” ، وبالفعل كان لدى حكام الخليج ” توجس ” بان الشارع الخليجي قد يساير الشارع العربي و يخرج في ثورات ” ربيع عربي ” و تم الدفع بالحكومة الإماراتية لخطوة إستباقية استهدفت الإخوان المسلمين في الإمارات بذريعة استهداف الإخوان المسلمين لنظام الحكم في الإمارات وبذلك تم سحب هذا الاقتصاد الضخم إلى المعارك السياسية وبدء مهمة إعادة صياغة الحكومات في ” دول الربيع العربي ” .
بدءت المهمة بالإخوان في مصر وكانت الإمارات هي المخرج و الممول الأول للإطاحة بمرسي و الإتيان بحكومة السيسي بالاستفادة من خطاء الإخوان المتمثل في إفرازهم نتائج ” إخوانية ” لثورة كان يفترض بها إنتاج نتائج وطنية ، و مرت المهمة باليمن و بداية الدخول كانت ببحاح ليحل في محل رئاسة الوزراء في حكومة السلم و الشراكة وكان الأمر سيذهب أبعد لولا التطورات التي أقصت هادي و حكومة بحاح و لتستمر الإمارات في مهمة إعادة الصياغة في اليمن و كان حضورها لانجاز المهمة حضورا ملفت كونها الدولة الأكبر شراكة في ما عرف ” بالتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن ” الذي تترأسه السعودية لكن كان تدخل البري للإمارات يفوق بكثير التدخل البري السعودي ذاته ، كذلك شواهد الدور الإماراتي في ليبيا وفي تونس في ذات الاتجاه قائمة وأن كانت اقل بروزا من أدوارها في مصر و اليمن .
جاءت محاولة الانقلاب في تركيا لترفع الحساسية تجاه الإخوان المسلمين ، فلم تكد محاولة الانقلاب تمر حتى أعاد أردوغان صياغة الجيش التركي و تخلص من قيادته العلمانية ، وكانت الرسالة واضحة تماما في حفل الانتصار على الانقلاب على لسان رئيس أركان الجيش التركي الذي قال : إن مجموعة حاولة الانقلاب على ” الجيش المحمدي ، جيش بيت النبوة”، وتلقى الكيان الصهيوني الرسالة بأن هناك نظام خطير يمتلك جيشا كبيرا يتم إفراغه من عقيدته العلمانية ، وهذا النظام لديه تطلعات إقليمية و ذراعه لتحقيق تطلعاته الإقليمية هم ” الإخوان المسلمون”.
تحت هذا الخطر المحدق الذي ارتسمت معالمه واضحة أمام الكيان الصهيوني بعد فشل الانقلاب في تركيا تم توسيع المهمة الإماراتية لتصل إلى إعادة تشكيل الحكومات الخليجية أيضا ، وهذا الأمر تطلب تحقيق قدر أكبر من الانسجام بين أبوظبي و بين الرياض فالأولى تغلّب المواجهه مع الاخوان و الأخيرة تغلّب المواجهه مع إيران ، وبدء العمل على خلق الانسجام الكامل من الأمير محمد بن سلمان الذي بدءت صناعته من أبوظبي ، و لتخرج موائمة السياستين بقدر أكبر من الانسجام في قمة الرياض الإسلامية العربية الأمريكية.
بعد انجاز المهمة في مصر و جريان تنفيذها في اليمن و العمل على إتمام انجازها في السعودية ، بدء العمل على مهمة صياغة الحكومة في قطر، وهذه المهمة ستستمر فتصريحات محمد بن زايد بخصوص الكويت و سلطنة عمان تقول أن الدور قادم عليهما ولو بعد حين .
أمران هما الهدف المراد من وراء مفهوم إعادة صياغة الحكومات هما السياسة الخارجية للدول المستهدفة و المقدرات الاقتصادية لها ، فما أن توطد الأمر للسيسي في مصر و ما أن ظهر محمد بن سلمان في المشهد حتى بدء العمل على انجاز ” اتفاقية تيران و صنافير ” وهي خطوه سياسية ابتداء وذات علاقة بالتحول للتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني الذي بات عنوان المرحلة القادمة وما سيتم الدفع باتجاهه لكل دول المنطقة ، وهذا هو مسار السياسة الخارجية لدول المنطقة .
ازبد السيسي وارعد في بداية حضوره بتنمية الاقتصاد و بالتوجه للمشاريع ولكن الواقع يسير في اتجاه معاكس و شيئ من التأمل في مشاريعه يعطي انطباع أن المراد هو العكس فمشروع قناة السويس الجديدة مثلا لم يكن ذي جدوى منذ البداية بالنسبة لدولة تحتاج إنقاذ اقتصادها لكن تم المضي فيه ليتسبب في إهدار الاحتياطي المتوفر لمصر ولإهدار الاحتياطي تبعاته السلبية التي تعاني منها مصر في كثير من الجوانب الاقتصادية ، كذلك محمد بن سلمان جاء مبشرا بما عرف برؤية 2030 م وهي رؤية محاطة بالشكوك من ناحية الجدوى مثلها مثل قناة السويس الجديدة ، كذلك حرمان المملكة من أرقام مالية مهولة في ” مشتريات ” أسلحة ؟!! و كذلك ما أثير مؤخرا من تبخر عشرات المليارات بصورة غامضة من أرصدة المملكة في الخارج ، وهذا هو المسار الثاني الساعي للقضاء على المقدرات الاقتصادية للدول المستهدفة ، وفي سبيله أيضا جُلب ” ترامب ” – المعروف بوجهة نظره منذ عقود بوجوب سلب المنطقة ثرواتها – من خارج الدوائر السياسية إلى الرئاسة الأمريكية .
كانت قائمة المطالب التي تقدمت بها دول الحصار لقطر واضحة تماما بان هذه الدول لاتريد الحل وأنها ماضية في تنفيذ ماهو مرسوم من سيناريو لقطر ، لكن أهم ما تضمنته قائمة المطالب هو ثلاث مسائل أولها المتعلق بقطع العلاقات مع إيران و تصنيف حماس و حزب الله جماعات إرهابية أي التأشير بالأحمر على كلما يمثل تهديدا حاليا على الكيان الصهيوني و ثانيها إخراج القاعدة التركية و قطع مختلف الصلات مع الإخوان وهذا يعني التأشير بالأحمر على نظام ” الجيش المحمدي ، جيش بيت النبوة ” كنظام متطلع لدور إقليمي وخطر متوقع على الكيان الصهيوني ، وهو ما يعني فرض تغير السياسة الخارجية لقطر ، و ثالثها البند الخاص بالتعويضات والذي يراد له أن يكون المدخل لتحقيق التقويض للمقدرات الاقتصادية الضخمة لها .
نجت قطر في النفاذ بجلدها في البداية وكان السبب في ذلك هو توضيفها لتحالفاتها العريضة بشكل جيد و تحاشي الوقوع ببراعة في ” فخ ترامب ” بدعوته أمراء الخليج لحل في البيت الأبيض ، لكن يبدو أن قطر ترى تلك مرحلة و ما بعد ذلك هي مرحلة مختلفة و باتت تتعامل بطريقة مختلفة تجاه الأزمة عن تعاملها في البداية ، فقد غلب على أدائها مؤخرا التوجه للمقاضاة ، والتفاعل مع الولايات المتحدة المؤجل لدور التحالفات القطرية الأوسع ، و العمل على الاستفادة من ادوار المنضمات الدولية المختلفة .
كون الإمارات هي ” السنتر ” في الأزمة الخليجية فهذا الأمر يجب أن يحمل رسالة لقطر بأن الهدف ليس المشادة معها لتحقيق نتيجة نسبية بل أن الأمر هو تماما كما قال الجبير ” لا تفاوض حول المطالب ” ، أي أن الهدف هو تحقيق النتيجة المطلوبة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لقطر تجاه إيران و محورها و تجاه تركيا و ذراعها و مقدرات قطر الاقتصادية التي يجب أن تهدر ضمن قرار إهدار كامل مقدرات المنطقة الاقتصادية .
بالنظر لطبيعة منطقة الخليج فان تحقيق نتيجة إعادة صياغة الحكومات فيها يقتضي العمل على تغيير في شخص الحاكم مع الاحتفاظ بطبيعة الحكم الأسرية تماما كما هو جار من إعادة صياغتها في السعودية ، وهذا يعني أنه في حق قطر أن المستهدف هو الأمير تميم حاكم قطر ، و بالتالي فمواجهة الموقف تبدء من نقطة الأمير الذي يجب أن تتوفر له كامل عناصر الحماية ، ويلي ذلك حماية قطر كدولة فاعلة مستقلة القرار و هذا الأمر يتطلب التنسيق الأكبر مع كل من الكويت و سلطنة عمان لمواجهة الموقف ، و الدائرة الأوسع هي قطر كدور و اقتصاد وهذا الأمر يتطلب الاعتماد بشكل اكبر على تحالفات قطر العريضة التي كان لها الدور الأهم في قدرة قطر على امتصاص الضربة الأولى .
ما تقوم به الدبلوماسية و الإدارة القطرية مؤخرا هو أمر مطلوب لاشك لكنه يحتاج لترشيد ، فالاعتماد عليه وكأن قطر قد جاوزت الخطر و أنها باتت تتعامل مع ارتداداته هو خطاء بالغ بالنظر إلى كون الإمارات هي ” السنتر ” ، بل لازالت قطر في نفس الضربة وأن كانت الحدة خفت لكنها لازالت في الضربة ولم تدخل في ارتداداتها بعد ، ومن الصحي لقطر قبل الفورة القادمة للبركان أن تعيد النظر في الصياغة الأمثل للدوائر الثلاث للمواجهة والتي بينها قدر جيد من التداخل .
إلى جانب ما تقوم به قطر حاليا تحتاج قطر لامتزاج الموقف تجاه الأزمة مع الكويت وسلطنة عمان بشكل أكبر والاستعانة بهما حتى بدور خارجي يمكنها الحصول عليه في ضل فهمهما بأنهما هدف قادم ، كما تحتاج للتنسيق بقدر أكبر مع ألمانيا و الترتيب أعمق مع تركيا و التواصل أكثر مع روسيا وأن لا تتراجع علاقتها مع إيران عن مستواها الحالي على الأقل .
ستكون قطر تحت الفرز في المستقبل القريب وهي على موعد مع ضغط أكبر يفرض عليها تحديد موقفها هنا أو هناك ، و إذا كانت يتوفر لها العديد من العوامل التي تمنحها قدرة على الصمود فأن عوامل الانتصار ليست قائمة حاليا ، والصمود مع الأداء الجيد قد يمنحها فرصة انتصار في حال تغير العوامل المحيطة بملف الأزمة الخليجية مستقبلا ، ويضل احتمال الخسارة على المدى المتوسط قائم ، وأمام هذا الاحتمال الأخير يضل أمامها وضعين كذلك هما أن تخسر مع احتفاظها بشرف الخسارة – أي أن تخسر وهي تعمل لهدف نبيل – وهذا الأمر يتطلب اختيار القرار الايجابي عند تعرضها للضغط الكبير لتحديد موقفها أو أن تخسر دون حتى شرف الخسارة في حال اختارت قرارا سلبيا ، ومعيار ايجابية قرارها هو أن تكون في المعسكر الأخر المقابل للمعسكر الذي سيضم الكيان الصهيوني .
لقطر أخطاء كبيرة في الفترة الماضية وهي ما يستخدم حاليا لجرها للمربع المطلوب، وإذا اتخذت قراراتها من منطلق الخوف فستعطل عواملها و سيتم جرّها إلى مربع ” لا قرار و لا اقتقاد ” ، لكن استحضارها لتجربتها الماضية و مصارحة نفسها أن ما أخطئت و جارت فيه يوما ما هو ما يوظف اليوم للنيل منها و أن أي مجارة جديدة ستستخدم ضدها وتضعفها أكثر فسيدعوها ذلك لأن تنطلق من منطلق الحذر بتوظيف عواملها من علاقات وتحالفات و اقتصاديات بشكل فاعل ، وحينها قد تتمكن قطر من تحقيق انتصار وأن تعذر فستتمكن من أن تصمد أطول لحين المجاوزة على الأقل وفي أسوء الحالات قد تخسر لكن ستكون خسارة تحمل شرف الموقف … و الإطار العام للموقف المطلوب من قطر و الذي يجب أن تنطلق منه مواقفها من الآن وصاعدا و هو الذي فيه أفضل خيارات النتائج أمامها أن لا تكون في المعسكر الذي يكون فيه الكيان الصهيوني .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/02