عندما رأيت الرعب في وجوههم
عماد بن محمد العباد
كنت قبل عدة أيام في مدينة بروكسل البلجيكية، خرجت للتسوق بعد العصر في ساحة الميدان الكبير، وهي أحد أبرز المعالم في عاصمة الاتحاد الأوروبي. تضم الساحة مباني قديمة مزخرفة باللون الذهبي والعديد من المقاهي والمطاعم بالإضافة إلى أسواق ومحلات يقصدها السياح لشراء الشوكولاته البلجيكية الشهيرة.
كان الجو لطيفاً، السماء صافية، وأنفاس الشتاء الأخيرة تكسر حرارة الشمس التي تشتد في منتصف شهر يونيو عادة. السياح يستمتعون بلحظات إجازتهم الجميلة، بعضهم يجلس في مطاعم الساحة وآخرون يلتقطون صوراً لمبنى البلدية والمتحف العريق. أطفال ونساء ورجال وشيوخ من كل الأعراق والأديان يتجولون بسلام حول المدينة القديمة. لم أكد أدخل إلى أحد محلات الشوكولاته حتى انقلبت تلك الصورة الحالمة إلى رعب وهلع. رأيت الناس تصرخ وتركض في كل اتجاه، كان يبدو من خلف الزجاج رجل أمن يحث المتواجدين على التفرق بأقصى سرعة، التفتت الفتاة التي تبيع في المحل إلى الزبائن بوجه شاحب وقالت اتبعوني للخلف. اجتمعنا في غرفة صغيرة وأخذنا نسترق النظر من بعيد. كان يخيم على الجميع الهلع والترقب لما يمكن ان يحدث، أخذت إحدى النساء تبكي بشكل هستيري. بعد قرابة العشرين دقيقة لاحظنا أن الوضع في الساحة بدأ يعود تدريجياً إلى طبيعته فخرجنا من المحل. بدت الساحة التي كانت جميلة قبل دقائق مكانا مخيفاً، المطاعم مكتظة بطاولات لايجلس عليها أحد، كاسات نصف ممتلئة وطعام نصف مأكول، عربات أطفال وشنط وأكياس تسوق هرب أصحابها لينجوا بحياتهم.
ملامح الوجوه التي تصفحتها وأنا أتجول في الساحة كانت هي الانعكاس الحي للإرهاب وبشاعته، بحثت في وسائل التواصل الاجتماعي لأفهم ما الذي حدث، علمت حينها عن تفجير إرهابي قام به أحد المتطرفين في محطة القطار وهو ما دعا الشرطة لتفريق السياح بأقصى سرعة لكون تلك الساحة هدفاً استراتيجياً لمعاتيه داعش الذين يبحثون عن إلحاق الضرر بأكبر قدر من البشر. كشفت السلطات لاحقاً أن من ارتكب عملية التفجير هو شاب مغربي يدعى أسامة زريوح قام بصنع الحزام الناسف في منزله وقتله رجل أمن قبل أن يتسبب في كارثة.
تنظيم داعش ينكمش الآن في العراق وسورية ككيان لكن للأسف ستبقى آثاره وأفكاره لوقت طويل من الزمن، إذ يبدو من الواضح الآن احتضار مرحلة داعش كتنظيم وولادة مرحلة الذئاب المنفردة التي استلهمت أفكار التنظيم الوحشية وخلطتها بحقدها على المجتمع ويأسها من الحياة. ومن الواضح أيضاً أن البشر سيعانون كثيراً من هؤلاء المعتوهين وخصوصاً في أوروبا والحل يكمن في تعلم الدرس والعمل بجدية على إصلاح الأوضاع في سورية والعراق بالإضافة إلى وضع خطط طويلة الأمد لتحصين الأجيال الصغيرة من تلك اللوثة وضمان عدم تكرارها.
صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/07/03