إساءة استخدام السلطة الوظيفية
أحمد صالح حلبي
كثر الحديث عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وأهدافها واختصاصاتها، وما إذا كانت ملتزمة بها، أم أن هناك تراجعا حدث في أدائها، فالهيئة التي من أهدافها «تعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه»، يراها البعض اليوم بعيدة عن قمع التجاوزات وإساءة استخدام السلطة التي يمارسها البعض من مسؤولي الدولة الذين عمدوا لتعيين أصدقائهم من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، أو المحالين للتقاعد كخبراء، في مراكز قيادية وبمكافآت مالية ضخمة تفوق أضعاف مرتباتهم الأساسية، دون أن يكون لهم وجود، فالهدف من التعيين ليس العمل وتطويره بل وجود اسم سعادته، ومكتب خاص به وسكرتير، أما الأعمال فلا يقدمها سوى الموظفون العاملون داخل المنشأة، ولسعادته احترامه الخاص إن حضر بفنجان شاي وماء بارد ومكتب مكيف.
وإن سعت هيئة مكافحة الفساد للقيام بجولة مفاجئة على بعض القطاعات الحكومية خاصة في مكة المكرمة، فسترى الكم الهائل من المستشارين والمساعدين الذين تم تعيينهم، في حين نجد أن مئات الشباب يقفون أمام بوابة هذه المنشأة بحثا عن وظيفة فلا يجدون لأن الميزانية لا تسمح!
وهنا يبرز سؤال آخر كيف تسمح الميزانية بتعيين هذا الكم من المستشارين والمساعدين ولا تسمح بتعيين الخريجين الشباب؟
وإن نظرنا للدور الذي يؤديه سعادته فإننا نرى أنه منحصر في شرب الشاي والحديث بالهاتف إن حضر، وإن لم يحضر أوكل المهمة لذاك المقيم ليصول ويجول داخل المنشأة باسم سعادة المساعد، ناقلا ما يدور من قول أو فعل لسعادته أولا بأول.
إن ما نحتاج إليه داخل منشآتنا الحكومية الاعتراف بأن هذه منشآت حكومية، وليست ملكا خاصا لهذا المسؤول أو ذاك، وإخضاع وظائف المستشارين والمساعدين للفحص الدقيق، ومعرفة المسببات لتعيين هذا أو ذاك، لا أن نرى أستاذا جامعيا يتولى مركزا قياديا دون حضور يذكر، أو عمل يقدم، ليكرر ما يفعله داخل المنشأة الأخرى من خلال عضويته بمجلس الإدارة، فيتقاضى مرتبا شهريا ومكافأة سنوية دون حضور أو عمل يقدم.
وإن كانت الأنظمة قد أوضحت بأن تعيين قريب أو صديق بوظيفة يعد استغلالا للنفوذ، وهو جريمة، حيث نصت المادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 43 وتاريخ 19/11/1377هـ الفقرة)أ(على: )معاقبة كل موظف يثبت ارتكابه لجريمة استغلال نفوذوظيفته لمصلحة شخصية في داخل الدائرة أو خارجها، وذلك بسجنه لمدة لا تزيد عن عشر سنوات أو بغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال) .كما نصت الفقرة الخامسة من هذه المادة على: (تطبق هذه العقوبة على من يسيء الاستعمال الإداري، كالعبث بالأنظمة والأوامر والتعليمات على غير وجهها الصحيح أو غير موضعها بقصد الإضرار بمصلحة حكومية لقاء مصلحة شخصية، واستغلال النفوذ أيا كان نوعه في تفسير الأوامر وتنفيذها عن طريق مباشر أو غير
مباشر).
وفي نظام الخدمة المدنية الصادر عام 1397 نص صريح بتجريم إساءة استعمال السلطة، حيث نصت المادة (1 / 12) من هذا النظام على) :أنه يحظر على الموظف إساءة استعمال السلطة الوظيفية،(والفقرة)ب) حظرت استغلال النفوذ، كما نصت المادة (1 / 12)من اللائحة التنفيذية للنظام على) :أنه يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه الخاصة،(وكانت هذه النصوص صريحة في تجريم إساءة استعمال السلطة وتمييزهــا عن جرائم استغلال النفوذ.
والأمل قائم على هيئة مكافحة الفساد لكشف أوجه الفساد ومعاقبة المفسدين، ويبقى السؤال كيف يمكن لشخص واحد أداء ثلاث وظائف في وقت واحد؟.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/07/12