هامش جولة ريكس تيلرسون الخليجية.. إدارة أزمة طويلة لجني أرباح وفيرة
محمد النوباني
كان واضحاُ منذ بداية اندلاع الأزمة الجديدة في الخليج بين قطر من جهة وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر من جهة أخرى أن الأمور لا يمكن أن تتدحرج إلى غزو عسكري إلا إذا كانت هنالك مصلحة أمريكية في إيصال تلك الأزمة إلى ذلك مستوى .
لماذا؟ ببساطة لأن أطراف هذه الأزمة من الدول الخليجية ومعهم مصر وكذلك قطر ليست دولا مستقلة إلا بالاسم وخاضعة بالمطلق في سياساتها الداخلية والخارجية للإدارة الأمريكية ، وبالتالي فانه ليس بمقدورها اتخاذ أية قرارات متصلة بالحرب والسلام في المنطقة إلا بعد نيل رضى وموافقة الإدارة الأمريكية .
صحيح أن لكل دولة من دول التحالف الرباعي خصومة مع قطر , ولها جميعها مصلحة في ابتلاعها ونهب خيراتها والسيطرة على ثرواتها , ولكن الأمر الذي لا شك فيه أيضا بأن من له اليد العليا في تقرير ذلك والتحكم به هي الولايات المتحدة الأمريكية .
بمعنى آخر فأن ارتأى صناع السياسة في واشنطن بأن مصالحهم تتطلب السماح للدول الأربع باجتياح قطر عسكريا فلن يتورعوا في اتخاذ مثل هكذا قرار حتى لو أدى الأمر إلى شطب دولة قطر عن الخارطة وإلحاقها بالمملكة العربية السعودية .
ولكن من الواضح بأنه ليس من مصلحة أمريكا في هذه المرحلة وهي التي تخطط لإفقار كل دول الخليج ونهب أموالها والسيطرة على ثرواتها وحتى تفكيكها أن تؤيد سيناريو الغزو العسكري كوسيلة لحل الأزمة بين قطر والتحالف الرباعي لأن هذا الأمر لو حصل سيؤدي إلى تقوية من تسعى لإضعافهم وإعادتهم إلى مضاربهم التي كانوا فيها قبل اكتشاف النفط وربما إلى تصادم عسكري مع القوات التركية المتواجدة في قطر .
وهذا التحليل ليس فيه ثمة مبالغة على الإطلاق , لأن الحرب التي شتتها دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن , ومئات مليارات الدولارات التي قدمتها دول الخليج وتحديدا أطراف ( 1+3 ) أي كل من السعودية والإمارات والبحرين ، للعصابات التكفيرية في سوريا بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي دفعت لإسقاط نظام القذافي في ليبيا , ودعم العصابات المتناحرة الآن هناك ودعم داعش في العراق , كل تلك الأموال التي أنفقت تنسجم مع المخطط الأمريكي الرامي إلى تقويض دعائم دول الخليج التي هي دويلات أصلا وتفكيكها إلى دولة في كل مدينة عليها حاكم تعينه أمريكا مصلحة أمريكية عليا .
ولا غرابة في ذلك لان الدول عندما تفشل في حروبها تحديدا العدوانية منها أما أن تضعف إلى أبعد الحدود وتقاد من دول خارجية قوية أو تتفكك أو حتى تزول عن الخارطة .
ومن قرأ كتاب الأكاديمي البريطاني ” كريستوفر .م. ديفدسون” ” ما بعد الشيوخ الانهيار المقبل للممالك الخليجية ” والذي توقع انهيار تلك الممالك في العام 2018 يلاحظ بأن تلك الدول حتى لو لم تنهار حتى ذلك العام وانهارت بعد ذلك بعام واحد أو عدة أعوام , فإن الحقيقة التي لا شك فيها , بأن هذه الأنظمة لا مستقبل لها وستزول كما زالت غيرها عبر التاريخ لأن وجودها يتناقض مع المصالح العليا لشعوبها وشعوب الأمة العربية برمتها ولن يفلح المحمدين في إنقاذها من مصيرها المحتوم لأنها ببساطة تشكل عائقا أمام مسيرة التقدم , ومن مخلفات القرون الوسطى .
والأمريكيون هم أول من يعرف ذلك ولكنهم يغضون الطرف عنه لان الديمقراطية وحقوق الإنسان بالنسبة لهم لا تساوي في حساباتهم شيئا ، طالما أن تلك الأنظمة لا زالت بقرة حلوب على حد تعبير ترامب، وتدر على الخزينة الأمريكية تريليونات الدولارات .
ولذلك فان المراقب للموقف الأمريكي منذ اندلاع الأزمة بين قطر وحلفائها يلاحظ بان ما تفعله واشنطن , هو عبارة عن إدارة أزمة بين دول تابعة لاقتناص اكبر قدر ممكن من الأموال من الطرفين استكمالا لما فعله ترامب عندما عاد من السعودية بمبلغ يناهز النصف تريليون دولار دون عناء .
وزيارة وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلركسون للدوحة الثلاثاء الماضي وتوقيعه هناك على اتفاقية مع حكامها لمكافحة تمويل الإرهاب , وإشادته من هناك بدور حكامها في مكافحته قبل أن يتوجه إلى الرياض للقاء وزراء خارجية الدول الأربع , يوحي بل يؤكد بان الحديث لا يجري عن خيار عسكري لحل الأزمة , كما يعتقد بعض المحللين السياسيين العرب , وإنما عن إدارة أزمة على الطريقة الكسنجرية لأطول فترة ممكنة لابتزاز طرفي الأزمة والحصول منهم على أكبر قدر ممكن من الأموال .
وهذا يعني بان الخيار العسكري أن لم يكن مستحيلا الآن , فهو مؤجل إلى اجل غير مسمى لأنه لو كانت الأمور على غير هذا النحو لما سمح الأمريكيون لإردوغان بإرسال المزيد من قواته إلى قطر للحصول على جزء من الأرباح إرضاء له على دعم الأكراد في الرقة , طالما أن الأمور عند أولئك جميعا تقاس بالمال قبل أي شيء آخر .
وأخيرا وليس آخرا،فإن قطر سوف تكون مضطرة في نهاية المطاف إلى تقديم تنازلات ليس لإطراف التحالف الرباعي، وإنما إلى واشنطن عبر عقد المزيد من صفقات السلاح لأن صفقة ال “12” مليار دولار غير كافية، بل لابد من استثمار المزيد من المليارات في مشاريع البنى التحتية الأمريكية،وعندها ستجد الأزمة طريقها إلى الحل الفوري سواء شاء ذلك المحور ام ابى.
بقي القول بأنه كما أدت أزمة الخليج الثانية التي وقعت بين عامي 1990-1991 من القرن الماضي والتي وقعت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت وقيام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك بتوفير الغطاء العربي عبر الجامعة العربية لضرب الجيش العراقي وإخراجه من الكويت، إلى الإطاحة بمجلس التعاون العربي الذي كان يضم في إطاره مصر والعراق والأردن واليمن عام 1992 من القرن الماضي , فأن أزمة الخليج الراهنة ستطيح لا محالة بمجلس التعاون الخليجي .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/15