المغرب: غباء دولة أم تخطيط للفوضى
عبدالسلام المساتي
خلال الأسبوع الأخير عرفت قضية حراك الريف تحولا ” تكتيكيا ” في طريقة تعامل الدولة مع هذا الحراك بعدما انتقلت من استعمال القوة الخشنة المجسدة في تعنيف الأمن للمحتجين إلى القوة الناعمة أو ما يُعرف بالدبلوماسية الرشيقة .. هذا الانتقال هو ما يفسر سحب قوات الأمن من جل مناطق الريف ، وهو ما يفسر أيضا إرسال مجموعة من الفنانين المغاربة عبر طائرة خاصة إلى مدينة الحسيمة تشجيعا للقطاع السياحي بالمدينة .
إلا أن أبرز ما يفسر هذا الانتقال هو تصوير فيديو للمعتقل ناصر الزفزافي و تسريب هذا الفيديو لأحد المواقع الالكترونية ، الفيديو يُظهر الزفزافي وهو يكشف عن كامل أنحاء جسده لإثبات أنه لم يتعرض للتعذيب مطلقا منذ اعتقاله و إلى اليوم ..وهو ما أثار سخط الرأي العام المغربي الذي لم يتقبل إهانة معتقل بتلك الطريقة حتى أن كثيرين شبهوا ما تعرض له الزفزافي بما كان يحدث في سجن أبو غريب بالعراق (في طريقة تعرية المعتقلين على الأقل)..
الغريب في ما حدث هو أن تلجأ الدولة لممارسات لا يمكن أن تنعكس إلا سلبا على مجرى الأحداث ، ولا يمكن إلا أن تعمق هوة الأزمة بحكم أنها لا تساير التطور الحاصل على مستوى الوعي المجتمعي ، و أيضا لكونها تخاطب عقليات لم تعد موجودة .. فمخاطبة شباب ما بعد الربيع العربي وشباب الفيسبوك بمنطق السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات ..يعني أن الدولة تعاني نوعا من الغباء السياسي واللاقدرة على قراءة التحولات الحاصلة على مستوى المجتمع ، كما يعني أن الدولة غير قادرة على التخلص من عقليتها التقليدية الكلاسيكية التي تؤمن أن المجتمع مهما تطور فإنه سيبقى رهينا لحاجياته الفسيولوجية و أيضا لبعض حاجياته في الأمان ..
تبقى هذه طبعا مجرد قراءة أولى لما يحدث ، أما القراءة الثانية فيمكن أن نلخصها في القول أن هناك بعض التيارات النافذة داخل الدولة تسعى لتأجيج الأوضاع والاتجاه بالمغرب نحو الفوضى واللاستقرار.. لا أقول هذا عبثا و إنما أقوله رابطا إياه بكل التحولات السياسية التي وقعت بالمغرب منذ 2011 و إلى اليوم ، فالصراع السياسي بين مجموعة من التيارات داخل الدولة والذي انطلق يوم 20 فبراير 2011 ، وتعمق بانتخابات 25 نونبر 2011 ،ليصل أوجه خلال وبعد انتخابات 7 أكتوبر 2016 ،قلت أن هذا الصراع خلق تحولا عميقا في تراتبية النفوذ السياسي لهذه التيارات الأمر الذي دفع ببعضها إلى محاولة إحداث “خلخلة ” في التوازن ليس فقط السياسي و إنما أيضا الاجتماعي و الأمني والحقوقي …
ماذا أقصد عندما أقول تيارات نافذة داخل الدولة ؟
طبعا أنا لا أقصد الأحزاب التي لا تستطيع التحرك إلا ضمن المساحة المسموح لها التحرك داخلها تبعا لأوامر المتحكمين في اللعبة ..هؤلاء المتحكمين في اللعبة هم من يمثلون التيارات التي أتحدث عنها ،بينهم متحكمين في القطب الاقتصادي بالمملكة ، بينهم مستشارين ، بينهم محيطين بالقصر، و أخيرا بينهم رؤساء وزعماء الأحزاب الأربعة الكبرى …
الذي أريد أن أقوله من كل هذا ، هو انه سواء كانت الدولة غبية وذات عقلية تقليدية أو سواء أن الذي يحدث هو صراع تيارات فالأكيد هو أن هذا يقودنا نحو الهاوية ، نحو منعطف خطير قد لا نتجاوزه بسلام إذا لم يحضر صوت الحكمة كما حضر يوم 9 مارس 2011 .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/15