ما أثر اتفاق “تيران” و”صنافير” على الحدود في خليج العقبة وسيناء ؟
عبدالوهاب الشرفي
أحد تبعات الأزمة الخليجية هي تشتيت الأنظار عن اتفاقية تيران وصنافير التي هي واحدة من أكثر الخطوات خطورة وتهديدا لمستقبل جمهورية مصر العربية وللعالم العربي ككل وسيترتب عليها الكثير من مشاريع الصهيونية فيما يتعلق برسم حدود وامن كيانها المحتل.
تنص اتفاقية تيران وصنافير أن الحدود السعودية المصرية تبداء من نقطة حدودية مشتركة بين السعودية والأردن ومصر وهذه النقطة تحدد لاحقا أي أنها نقطة لا وجود لها حاليا وبالطبع بمرور الاتفاقية لايمكن لنقطة كهذه أن توجد لأن انتقال السيادة على الجزيرتين للسعودية ستفرض قوانين دولية أخرى على مياه ومنطقة خليج العقبة ككل كون الممر أصبح بين أراضي دولتين وليس بين أرضين تتبعان دولة واحدة ولا يمكن بعد الاتفاق أن تلتقي حدود الثلاث الدول العربية في نقطة واحدة بعد الاتفاق مطلقا ، بل أن من تبعات ذلك الاتفاق انتهاء الحدود المشتركة بين مصر والسعودية وانتهاء الحدود المشتركة بين مصر والأردن كذلك وكلما سيضل هو حدود لمصر مع الكيان الصهيوني.
اتفاقية كامب ديفد هي الاتفاقية التي أنهت حالة الحرب بين مصر والكيان الصهيوني وهذه الاتفاقية لها بنودها ومنها اعتراف إسرائيل بحدود مصر التي رسمت في فترة الدولة العثمانية وانسحاب الكيان الصهيوني من شبه جزيرة سيناء وكذا اعتبار مضيق تيران مياه دولية تحظى بحرية الملاحة الدولية ، وبالطبع عندما أغلقت مصر هذا المضيق قبل الاتفاقية فعلت ذلك لاعتبار أن مياه المضيق مياه إقليمية مصرية ، لكنها بموجب اتفاقية كامب ديفد سمحت مصر أن تستخدم ( مياهها ) وفقا لقواعد المياه الدولية ، وهذا السماح هو سماح اتفاقي بين دولتين يضل ساريا طالما أن الاتفاقية سارية وأي انتهاك لبنود الاتفاقية يعني انتهاء هذا السماح بخصوص مضيق تيران ، وهذا هو الفرق بين ( سماح ) اتفاق كامب ديفد وبين ( فرض ) اتفاق تيران وصنافير الذي بموجبه يوجد ممر مائي دولي في مضيق تيران لن يعود بعدها من الممكن لمصر إغلاق المضيق أو التحكم فيه أو الاستعادة الكاملة لحقها وسيادتها عليه ولو انهار اتفاق السلام مع الكيان الصهيوني أو اخترق الكيان أي من بنوده .
اتفاق ترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية هو اسم خادع فبموجب هذا الاتفاق الذي يترتب عليه فتح مياه دولية تكون حدود السعودية ازدادت توثيقا بموجب هذا الاتفاق لكن حدود مصر ستضعف بشكل كبير فيما يتعلق بحدودها جهة خليج العقبة ، فكون الاتفاق يفتح مياه دولية فأن الخط المحكي عنه في الاتفاقية يمكنه أن يعتبر حدود للسعودية لكن يستحيل أن يعتبر في نفس الوقت خط حدودي لمصر لأن الخط هو بعد المياه الدولية – التي ستوجد تبعا لنقل السيادة على الجزيرتين – جهة السعودية ولايمكن أن تكون حدود مصر بعد مياهها الإقليمية – التي ستقوم تبعا للاتفاقية – وبعد مياه دولية وبالتالي فخط الحدود المرسوم في الاتفاقية لا يمثل خط حدود لمصر لا من قريب ولا من بعيد ولا تعتبر اتفاقية تيران وصنافير اتفاقية ترسيم حدود بين البلدين لأنه اتفاق يقضي على وجود حدود بين الدولتين ابتداء .
حدود مصر في خليج العقبة ستتحدد بشكل إلى تبعا لاتفاقية تيران وصنافير بمسافة مياه إقليمية محاذية لأرض شبة جزيرة سيناء – وليس خط الاتفاقية – وإذا سجل الاتفاق في الأمم المتحدة فما سيوثق هو الخط الوارد في الاتفاقية أي أن ما سيوثق هو حدود السعودية بينما حدود مصر في خليج العقبة لا توثيق دولي لها بموجب هذا الاتفاق بينما كان اتفاق كامب ديفد – رغم عدم رضانا عنه – يوثق لتلك الحدود ولو جزئيا .
التغاء أو انتهاء اتفاق كامب ديفد يعني عودة حالة الحرب بين مصر والكيان الصهيوني ويعني التغاء اعترافه بحدود مصر ، وحتى الآن الكيان الصهيوني يصمت عن وضع اتفاقية كامب ديفد بعد اتفاق تيران وصنافير وموقفه من التزاماته فيها لأن مرور اتفاقية تيران وصنافير هو أمر يصب في صالحه ، لكن بعد مرورها وتسجيلها سيكون من المتاح له أن يستغل الاتفاقية كمدخل لتحلل من التزامات كامب ديفد بما في ذلك اعترافه بمصرية خط الحدود الحالي مع سيناء – وسيكون تحلله هذا غير ضار به فيما يتعلق بحق المرور في مضيق تيران كون المرور أصبح حقا دوليا وليس حقا اتفاقيا – والأطماع الصهيونية في سيناء معروفه ولا تحتاج لبيان ، بل يمكن القول أن الكيان الصهيوني يرى أن إلحاق سيناء بخارطته هو جزء من بناء دولته وسيعمل على أن يضمها في يوم ما أن تمكن ضمن مشروعه الساعي لدولة محاطة بالمياه من كل الاتجاهات لتقوم ما يراها ” القارة اليهودية ” التي يجمع فيها اليهود من كل قارات العالم إلى قارتهم المستقلة عن محيطهم الذي يعرف تماما أنه لا يمكن أن تقوم بينهم وبين محيطهم – في أي بقعة من الأرض وجدوا فيها – أي أواصر لا اجتماعية ولا دينية ولاعرقية ولا ثقافية ولا غيره ، وهذه ” القارة ” التي هي أرض تتوسط القارات الأخرى هي الأرض بين نهر الليطاني في الأرض اللبنانية شمالا فالبحر الأبيض المتوسط فقناة السويس فخليج السويس فرأس البحر الأحمر فخليج العقبة فالمياه التي سترسم من خليج العقبة كخط باتجاه البحر الميت ونهر الأردن وبحيرة طبرية وبحيرة حولة وامتداد نهر الأردن ويمتد خط المياه إلى النقطة المقابلة على نهر الليطاني .
اتفاق كامب ديفد تم بين مصر والكيان الصهيوني وانتهت بناء عليه حالة سابقة هي حالة الحرب بينهما وتدشنت حالة سميت ” بالسلام ” ، وكان مضيق تيران ومسألة الملاحة فيه أحد أهم نقاط حالة الحرب بين مصر والكيان الصهيوني التي أوقفتها مصر يوما ما تبعا لحقها في السيادة على المضيق ، بينما اتفاق تيران وصنافير هو اتفاق بين مصر والسعودية ولا وجود للكيان الصهيوني فيه وبالتالي فهو اعتراف من طرف واحد هو مصر بوجود ممر دولي في مضيق تيران ، وكونه اعتراف وليس استحداث لوضع جديد كما كان اتفاق كامب ديفد فذلك يعني اعتراف مصري بأن الكيان الصهيوني كان صاحب حق في حربه مع مصر بخصوص إغلاقها لمضيق تيران الذي اعترفت هي الآن بممر دولي فيه وهذا الأمر سيفتح الباب واسعا على تهديد أخر لمصر متمثل في مطالبة الكيان الصهيوني بتعويضات عن الخسائر التي لحقته نتيجة تلك الحرب التي ” كان فيها على حق ” ومصر نفسها اعترفت بتوقيعها على اتفاق تيران وصنافير أنها أغلقت ممرا مائيا دوليا وليس مصريا وقد تواجه مصر مستقبلا قانون ” جاستا ” على خلفية حروبها مع الكيان الصهيوني كما تواجه السعودية اليوم ” جاستا ” على خلفية أحداث 11 سبتمبر ، وبالطبع تضل السعودية معرضة لهذا التهديد كذلك بتهمة التواطئ مع مصر لإغلاق المضيق ” الدولي ” وان كان بقدر اقل من التهديد الذي ستفتحه مصر على نفسها باتفاق تيران وصنافير .
مشاريع الكيان الصهيوني في مصر ستعتمد بدرجة رئيسية على الإرهاب وضرب الاقتصاد فالإرهاب سيشهد تصاعدا في مصر ككل وفي سيناء بدرجة خاصة سيجعل منه الكيان الصهيوني ذريعة للتوغل أكثر داخل سيناء لحماية ” أمنه ” من خطر الإرهاب المتسرب إليه من سيناء ، ثم ستكون سيناء محلا لمشاريع ” أمنية ” يتم من خلالها أحداث تغييرات ديمغرافية وجغرافية وتصب في صالح إنجاح المخطط الصهيوني لمستقبل سيناء ، بينما سيؤدي ضرب الاقتصاد دوره في إنهاك المجتمع المصري بالشكل الذي ينشغل بهمومه عن التركيز عن المراد لسيناء ولايبدي أي رد فعل يذكر تجاه المشاريع الصهيونية فيها . وهذه المشاريع هي من النوع الذي بداء بإخلاء 1500 متر – حتى الآن – من حدود سيناء في اتجاه الجانب المصري ، وبحفر الأنفاق الضخمة الواصلة بين جانبي الحدود الغير واضح ما الهدف منها حتى الآن ومرت بخطوة لم تكن لتمر لولا ماتشهده مصر من مصاعب سياسية واقتصادية وهي اتفاق تيران وصنافير والعمل جار على غير ذلك والمستقبل حابل بالمشاريع ونسأل الله عز وجل أن يحبط كيد ومكر الصهاينة وان يحفظ مصر العروبة وأهلها وأرضها .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/17