تعريف الإرهاب.. لماذا انتقل العرب من مشروع التحرر الوطني والقومي إلى مشروع نشر مذهب ديني؟
خالد فارس
يعود تاريخ الإرهاب المعاصر إلى فترة الاستعمار الفرنسي البريطاني والأوروبي, ولاحقاً الصهيوني في فلسطين. أما “الإرهاب” المعولم, الذي نعيش في زمانه الآن, يعود إلى حقبة “الجهاد الأفغاني”, وذلك عندما استطاعت أميركا وحلفائها, استبدال التحرر الوطني والقومي بالحروب الدينية.
في زيارة لبريجينسكى إلى “المجاهدين الأفغان”, يخاطبهم فيقول “أن الذين لديهم إيمان عميق بالله, نحن واثقون بأن نضالهم سوف ينتصر. هذه أرضكم هناك, تعودون لها يوماً ما, لأن قتالكم سيهيمن, وسوف تحصلون على منازلكم ومساجدكم, وهذه حقوقكم…..إن الله بجانبكم”. رافقه في هذه الزيارة وارن كريستوفر, الذي أصبح وزيراً للخارجية لاحقاً في عهد جورج بوش الأب.
https://www.youtube.com/watch?v=uhFleLinwEM
وفى لقاء رئيسة الوزراء البريطاني مارغريت تاتشر مع “المجاهدين الأفغان”, بعد أن وعدتهم بمزيد من الدعم المادي, مليونا جنيه إسترلينيى إضافي, تخاطبهم أيضاً وتقول ” أود أن أقول بأن قلب العالم الحر, معكم, …” وبدأت صحيات التكبير أمام تاتشر. https://www.youtube.com/watch?v=wAUdupZlzwo
أرادت أميركا وبريطانيا والعالم “الحر”, استنساخ الموقف الذي تبناه جورج لويد رئيس وزراء بريطانيا أبان الحرب العالمية الأولى, ولكن ضمن سياق جديد.أرادوا أن يكون التحرر من استبداد الاتحاد السوفييتي, يماثل, تحرر العرب والشرق الأوسط عموماً, من استبداد الدولة العثمانية.
وبما أن الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت هو رأس الحربة العالمية لمشروع التحرر الوطني, تَشَكّلَتْ قوالب “حقبة الجهاد الأفغاني”, على عدم السماح لمشروع التحرر الوطني والقومي أن ينهض أو ينتصر, لأن انتصاره سوف يكون انتصار لمشروع الاتحاد السوفييتي, أو معاداة الامبريالية العالمية.
يقول ديفيد لويد جورج، “أننا سنمنح الشرق الأوسط التحرر الوطني أفضل من الذي ستحققه لذاتها……وبسبب ضخامة الحرب نطالب بتعويضات وضم أراضى على مستوى كبير جدًا”.
هي ذاتها المعادلات الاستعمارية, يعاد إنتاجها من جديد. الفرق أنه في تلك الفترة ظهرت منظومة أو كتلة سايكس بيكو, تقسيم وتجزئة وتبعية الوطن العربي. لم يَعُدْ هناك حاجة إلى سايكس بيكو جديد, على الأقل في فترة “الجهاد الأفغاني”, البديل الأنجع كان وقتها في عيون الغرب, هو كتلة سياسية تتأسس على”عسكرة الإيمان بالله”, لمواجهة أي عملية تحرر وطني وقومي.
وبالفعل حملت هذه الكتلة مشروع رأس حربته قتال “العدو الأقرب”, والمقصود العَلمانية العربية التحررية,عموماً, سواء في شكلها القومي أو اليساري, وأُطْلِقَت حروب التكفير والردة والقتل والسَبْي.(تكرار لمشهد الصراع القبائل العربية العربية, أو العربي العثماني في مطلع القرن العشرين)
تم استبدال العمل العسكري في فترة التحرر الوطني العربي والثورة الفلسطينية, من كونه عملاً تحررياً ضد الاستعمار الامبريالي, إلى مشروع نشر الدين الإسلامي أو مذهب ديني, وعَسْكَرَةْ المشروع. لهذا تَغَيّرَ مجال العمل وأسلوبه وأدواته ومنطقه ومبرراته. بل تغيرت البوصلة, كلياًّ.
هذا هو الواقع الذي أنشأته أميركا وبريطانيا والغرب, وبدعم مالي خليجي وعربي.فمنذ تلك اللحظة انتقلت حركات الإسلام الدعوى, إلى السياسي والعسكري, أو ما يسمى بالإسلام الجهادي. وأصبح هذا التحول ذو طابع إستراتيجي, بلا رجعة إلى الخلف. وعندما أصبحت هذه الكتلة أمراً واقعاً, ولم يعد هناك اتحاد سوفييتى, كان لابد من إدارة هذه الكتلة, وضمان استمرار خضوعها لمعادلات المعسكر الرأسمالي.
رأس المال في البداية, ورأس المال في النهاية, الذي أوكلت له مهمة إبقاء هذه الحركات في فلك لاتحررى. ولكن رأسمال المال بحاجة إلى عقلانية أمنية وبيروقراطية, فتشكل تحالف رأسمالي أمنى بيروقراطي, لضمان احتواء هذه الكتلة, والتلاعب في توجهاتها, واعتماد أدوار استقطابية لرأس المال العربي.
ضمن هذه المعطيات تشكلت أسس الإرهاب, لا دور تحررى وطني أو قومي له, يتناقض ويعادى العلمانية العربية التحررية في شكلها القومي واليساري والوطني. أراد الغرب تعميم هذه الظاهرة على ذات الأسس, وافقت على ذلك قوى عربية وخليجية, بل تبنت هذا النمط استراتيجياً. نشأت هذه الحركات كأدوات حرق التاريخ العربي المعاصر برمته, بل حرق مراحل نشوء وتطور الأمم الذي يبدأ من تحررها واستقلالها من الوصاية والتبعية.
إذا ظاهرة الإرهاب المعاصر الذي انطلق في حقبة “الجهاد الأفغاني”, هو ذلك الفعل السياسي والأيديلوجى والعسكري الذي ليس له مهمة تحرر وطني أو قومي من الامبريالية ومرفقاتها. هكذا نُعرّفْها. حركات تملك إمكانات مالية وعسكرية ولوجيستية, وأدوات ووسائل إنتاج فكرية هائلة وضخمة, وشبكات إعلام وازنة, بلا مشروع سياسي تحرري!
عندما تم تعميم ظاهرة الأفغان, وَتَبِنى الخليج وبعض الدول العربية مثل الأردن, لحركات الإسلام السياسي, وتحالف في مصر بين السادات والإخوان على قاعدة القضاء على ارث جمال عبد الناصر, أصبحت هذه الكتلة الأكبر والأكثر تأثيراً.
ما يجرى اليوم في أزمة الخليج هو محطة جديدة. ومانعتقد به أن كتلة “الإسلام الجهادى”, أصبحت عبئاً ثقيلاً على بعض دول الخليج, وانقلب السحر على الساحر, وبدأت خيوطها تفلت من الرأس المخطط. فشل رأس المال, والأمن, والبيروقراطي, في إبقاء هذه الظاهرة ضمن سياق التوافق, والتحكم المرغوب به. بِمَنْطِقٍ آخر, أفلس هذا المشروع, ولم يعد ناجعاً, جاء الوقت للانتهاء منه, واستبداله بشىء جديد. إستراتجية مزدوجة؟.
الذي يظهر لنا حتى الآن هو مسألتين: الأول القضاء على المقاومة كونها “ماتبقى” من مشروع التحرر الوطني, وثانياً: فتح المزاد السياسي لمشروع قديم جديد, مثل صفقة قرن أو “شرق أوسط متجدد”.
القانون الدولي والشرعية الدولية ترفض الإرهاب, لكنها في نفس الوقت تُشَرّعْ المقاومة. فالتغيير الذي تنشده قوى عالمية وأغلبية (شبه مطلقة) من النظم العربية الرسمية, ومرافقها, ليس إلغاء المقاومة كونها حقيقة كونية, فمن غير الممكن أن يتحقق ذلك قانونياً, على الأقل, ولن تقبل به شعوب العالم . إنما مقاومة “إسرائيل” هو الذي يجب أن يتم إلغائه. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم فصل المقاومة عن سياقها التحرري والعالمي, القانوني والشعبي, وفك ارتباط مقاومة “إسرائيل” بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
تسعى “إسرائيل” وأميركا و كتلة الصهيونية العربية, أزمة الخليج في قلب هذه المسألة, لتحقيق انعطافة تاريخية, عن طريق إلغاء المسافة بين الإرهاب والمقاومة, توريط المقاومة في الإرهاب, تشويه المقاومة وتحويلها إلى صورة سلبية, استبدال مفردات ولغة المقاومة مثل إبدال كلمة الشهيد بكلمة قتيل, إلغاء تداول مفهوم العدو الصهيوني الذي تم انجازه, استضافة متحدثين صهاينة والسماح لهم بالتعليق على العمليات والمقاومة حتى يصبح للمحتل رأى في مقاومة غطرسته واحتلاله!!!!, ربط كتلة المقاومة بالاستبداد من أجل تصوير “إسرائيل” بأنها ديمقراطية, فصل الاستبداد عن الاحتلال والقبول بلعبة “ديمقراطية” مصدرها ومنبعها الاحتلال. وهذا فيض من غيض.
أما بصدد المشروع الجديد, فليس بوسعنا الإسهاب به هنا, ولكن ما يسعنا قوله حتى الآن, أنه في عصر ترامب, لا نستبعد محاولة لحرق مراحل التاريخ في الخليج وغيرها. ولنا مداخلة لاحقة في ذلك.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/18