في مسئولية الطوائف الدينية والمذهبية العربية
فؤاد البطاينة
كانت الشعوب في داخل الدول العربية تعيش لقرون بنفس التركيبة المتنوعة الحالية. أعراقا وديانات ومذاهب.وكان الإنسجام فيها قائما، ولا يكاد الواحد يفرق بين هذا وذاك. ومع أن التدخلات الدولية لاحقا وإلى اليوم قد فعلت فعلها في بعض دولنا لأهداف لاقت قبولا داخليا لدى بعض مكوناتها لا سيما العرقية وأصبحت تطالب أو تطمح لاقتطاع كنتونات تخصها بدعم خارجي، إلا أنه ومع خطأ هذا القبول وهذا التوجه فإن هناك سندا قويا تتكئ عليه وهو أن هذه الأعراق تقيم تاريخيا لقرون ممتدة في مناطقها داخل الوطن العربي وتشكل نسبة سكانية لا بأس بها كالأكراد. وهذا قد ينطبق أيضا على الأمازيغ في شمال أفريقيا بعد انفصال جنوب السودان.*
أما الحديث عن انفصال طوائف مذهبية عربية في دول أو كنتونات فهذا لا سند له ولا مقومات تتفق مع أي مبرر أو معيار سوى مع الفكرة الاستعمارية في تفتيت اللحمة القومية والوطنية ووحدة الوطن العربي. ولمثل هذه الحالة يكون استخدام القوة القوة لمنع الانفصال أو التقسيم مشروعا مشروعا. ولا شك أن التقوقع والتجمع السكاني الديني أو المذهبي في مناطق جغرافية معينه داخل الدولة الواحدة يشجع على حدوث الانفصال بشكل ما لما يعكسه من أحاسيس المصالح الواهمة. وهذا الحديث ينطبق على أقليات الشيعة العرب والمسيحيين العرب والدروز العرب حيثما وجدوا في دولهم العربية كوطن أصيل لهم، وينطبق أيضا على السنة العرب والمسلمين العرب حيثما كانوا أقلية في دولة عربية واقعا أو افتراضا.
وإذا ما تكلمنا عن هذه التركيبة السكانية العربية المتنوعة الأديان أو المذاهب في دولة لا تنتهج النهج الديمقراطي، والدول العربية كلها تقع في هذه الخانة، فإن الاستقرار الاجتماعي والسلامة للدولة ووحدتها الجغرافية ومنعتنها سيبقى هشا ويزداد هشاشة مع بقاء التراكمات السلبية على الأرض قائمة في النفوس.
وهذا ما وصلت إليه كل دولة بشكل أو أخر لأن شروط وحدة وتماسك الجبهات الداخلية فيها غير متحققة. بمعنى أن الأنظمة العربية فشلت في جعل سكان ومواطني دولها أمة واحدة وفي تشكيل وحدة وطنية أو جبهة داخلية متماسكة وبالتالي فإن الدولة التي تجمعهم ليست دولة وطنية National state. والى زوال.
إن غياب النهج الديمقراطي المسئول عن هذه الحالة لا يمكن تعويضه بحكمة الأنظمة القائمة لتحقيق أغراضه في حماية الدولة كوحدة موحدة سكانيا وجغرافيا، لأن هدف البقاء المطلوب للسلطة الدكتاتورية لا يرقى إليه هدف، سواء كانت دكتاتورية دموية أو مرنة. فشروط بقاء هذه الأنظمة تتعارض مع مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص ومبادئ تقديم أولوية تعزيز تنمية الدولة اقتصاديا واجتماعيا ومنعتها على أولوية تحصين وجود الحاكم في السلطة، وتتعارض مع تقديم النظرة الشمولية للمواطنين على النظرة الشللية، فيصبح النفاق والفساد بأنواعه سياسة وسمة في الدولة لا يستطيع ولا يقبل الحاكم تجاوزها. فتبقى وتتعمق الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القطاعين العام والخاص في انحدارها.
من هنا يصبح المواطنون في الدولة العربية دون استثناء لأقلية أو أكثرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية أمام خيار البحث عن مخرج يحققون به ذاتهم وسلامتهم واستقرارهم ورتابة عيشهم وتعايشهم وتماسكهم كمواطنين بعيدا عن سلوك الحكومات وتدخل الجهات العميقة. إنهم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغلب على سلبيات الأنظمة الدكتاتورية التي تمنع عملية التحول الديمقراطي. فإما أن يكونوا فريسة للخدمات الخارجية التي لا تكون بالمجان ولا تأت بالمحصلة بالخير المنشود لمتلقيها ولا تؤمن مصالحهم. وإما أن يُفعِّلوا الوعي المجتمعي كأساس لمصالحة النفوس والعيش أو التعايش داخل الدولة كشرط لرسم صورة مشتركة للمستقبل. فالتدخلات الخارجية تجد طريقها نحو الأقليات بأنواعها حيثما توفرت أرضية، وتكون مصحوبة بالفتن لضمان نجاحها وتعظيمها بل وصنعها إن لم تكف المبررات الموجودة من صنعنا. وما أكثر وسائلها مع الثورة التكنولوجية.
وفي هذه الحالة يصبح مواطنو الدولة العربية بفئاتهم وتنوعها في غياب الديمقراطية أمام مسئولية تتجاوز في خطورتهما تقسيم الجغرافيا والانفصالات، سواء للأقليات العرقية التي تملك مقوما للانفصال، أو للفئات التي لا تملك مقوما أو سندا عرقيا أو دينيا أو مذهبيا مرتبطا بالجغرافيا للانفصال. إنها تتجاوز تلك الخطورة إلى صراع يتنامى في نفوس مواطني الدولة ويدميها حقدا وبغضاء فلا تعود الديمقراطية كجهد جماعي سهلة المنال والتحقق لمجتمع غير متصالح مع نفسه. حتى لو سقطت علينا من السماء هدية فلن تستقيم لنا، فهي وإن كانت نهجا متناميا كسيروره تتعامل بالقانون والمؤسسية المهيمنة على الجميع، إلا أن هذا الجميع الذي نتحدث عنه بصورته المتعادية هو محل وهدف الديمقراطية ونفاذها.
لا بد من عيش وتعايش وتصالح جميع فئات مجتمع الدولة العربية في المرحلة غير الديمقراطية أو التي تسبق الديمقراطية لتهيئ لها وتعمل من أجلها على أسس مجتمعيه سليمة، إنها الحل.
وإن قواعد العيش والتعايش بين فئات سكان ومواطني الدول العربية موجودة وسهلا تنفيذها، وتقوم على احترام خصوصيات ما خُلق عليه المواطن من عرق او دين او مذهب فهذه في الواقع هويات في النفوس قبل العقول ولا يمكن التنازل عنها. وهذا لا يكون الا بالنأي عن التدخل او النقد اوالانتقاد من قبل منتم لفئة في شؤون خصوصيات فئة أخرى وخلافاتها وتقاليدها وممارساتها كما تراها، تحت أي غطاء سياسي او أو فكري أو وطني، إلا في الاطار القانوني الرسمي. ففي ظل ظروف بلادنا السياسية والاجتماعية لن يكون لمثل هذه التدخلات الا تفسيرا سيئا ومشروع فتنة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/21