هل هناك سياسة فرنسية معادية للعرب؟.. حالة المناضل جورج إبراهيم عبد الله مثالا
محمد النوباني
لعل من الأمور التي كانت تحرج بعض السياسيين الفرنسيين , كما يقول وزير خارجية فرنسا الأسبق ألان جوبيه أن العرب كانوا في كل مناسبة يعتبرون أن الدولة الفرنسية مساندة للحقوق العربية , رغم أن الأمر في الواقع ليس كذلك على الإطلاق لأن هنالك سياسة خارجية لذلك البلد قد تبدو أحيانا مؤيدة للجانب العربي وأحيانا قد تبدو غير مؤيدة حيث أن المصالح هي التي تحدد اتجاه السياسة ومضامينها على حد تعبيره وهو محق في ذلك .
ولكن ما لم يقله ألان جوبيه بطبيعة الحال أن فرنسا لم تكن في يوم من الأيام وعلى مدار التاريخ الاستعماري القديم والحديث مؤيدة للقضايا العربية بقدر ما كانت معادية حتى نخاع العظم لقضايانا ومؤيدة وبالمطلق للسياسات الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل عام 1948 , إلا في ذهن بعض السياسيين العرب الموالين للغرب أو المثقفين الذين تم شراءهم عن طريق الرشاوي المالية أو بواسطة الجهات الإستخبارية التي عملت تحت عناوين مختلفة أبرزها المنظمات غير الحكومية ” الانجيووز ” .
ففرنسا الصديقة هذه هي التي قتلت أكثر من مليون ونصف مليون جزائري خلال احتلالها للجزائر الذي دام 130 عاما وهي التي أجرت تجاربها في الصحراء الجزائرية الأمر الذي أدى إلى موت الكثير من الجزائريين بمرض السرطان حتى يومنا هذا , وهي تتحمل جزء من المسؤولية إلى جانب بريطانيا عن تقسيم الوطن العربي إلى دويلات مجزاة وخاضعة لاحتلال طويل أزهق الكثير من أرواح العرب واحتجز تطورهم لأنها هي التي وقعت مع بريطانيا في عام 1916 معاهدة سايكس بيكو التي أدت فيما أدت إليه إلى إقامة إسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني عن وطنه ناهيك عن أن فرنسا تلك هي التي أنشأت البرنامج النووي الإسرائيلي وأقامت مفاعل ديمونا الذي تمكنت إسرائيل بفضله من التحول إلى دولة نووية باتت تمتلك وفق بعض التقديرات قرابة 500 رأس نووي من دون أن ننسى دورها إلى جانب بريطانيا وإسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 , ناهيك عن أن طائرات “الميراج ” التي زودت بها باريس إسرائيل هي التي دمرت سلاح الطيران المصري في حرب الخامس من حزيران عام 1967 .
ولم تكتف فرنسا الصديقة لبعض العربان بكل ما فعلته , فلعبت دورا بارزا في عام 1991 وعام 2003 في تدمير واحتلال العراق , وكذلك لعبت الدور الأبرز في العدوان الأطلسي على ليبيا في العام 2011 مما أدى إلى الإطاحة بنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وقتل أعداد غفيرة من أبناء شعبها وإغراقها في أتون حرب أهلية مدمرة أدت إلى تجزاتها وتهجير نصف سكانها إلى الخارج , ناهيك عن الدور الذي لعبته في تفجير الثورة المضادة في سوريا وغير ذالك الكثير .
وقد لاحظنا بأم الأعين أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد تبنى الموقف الإسرائيلي إزاء ما اسماه بوجوب وقف تعاظم قوة حزب الله اللبناني عندما استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عدة أيام في باريس مما يؤكد أن فرنسا الرسمية هي أكثر من حليف استراتيجي لإسرائيل .
ولكن الأخطر من كل ذلك أن فرنسا التي تعتبر نفسها واحة للديمقراطية وحقوق الإنسان وبلد الثورة الفرنسية الكبرى التي رفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة وموطن القديسة والبطلة القومية ” جان دارك” التي أعدمها الانجليز وهي في التاسعة عشرة من عمرها عام 1431 بسبب مواقفها الثورية الملهمة للفرنسيين في حرب المائة عام , مباح فيها أن تنتقد كل شيء وتطاول على كل شيء بما في ذلك شتم الأنبياء والرسل مثل محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وعيسى بن مريم عليه السلام تحت عنوان الحرية الشخصية فيما يصبح الانتقاد من المحرمات التي يعاقب عليها القانون إذا تجرأ أحد ما انتقاد سياسة إسرائيل إزاء الشعب الفلسطيني أو شكك في الرواية الصهيونية حول المحرقة “الهولوكوست” .
فبموجب قانون “جيسو فابيو ” الذي اقره البرلمان الفرنسي في 13 تموز يونيو عام 1990 يمنع السماح بانتقاد السياسة الإسرائيلية حيث قدم إلى المحاكمة لأنه تجرأ على فعل ذلك الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام “روجيه جارودي” أو “رجاء جارودي ” لأنه اصدر بيانا في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 انتقد فيه المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني , اتبعه بإصدار كتابه الرائع ” الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ” الذي دحض فيه الأساطير التي قامت عليها إسرائيل من منطلقات علمية , وأكد بأن النصوص التوراتية أو اضطهاد هتلر لليهود لا يمكن أن يبررا سرقة أراضي فلسطينية واقتلاع سكانها كما أنه لا يمكن أن يبرر الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تفكيك أواصر الدول الغربية وتفريغها.
أن قانون” جيسو فابيو ” يعتبر إعادة النظر في تاريخ اليهود , أي التشكيك في الرواية الصهيونية حول أسباب إنشاء إسرائيل وما يسمى بالمحرقة هما جريمة ضد الإنسانية ولهذا فقد قدم جارودي للمحاكمة ليس لأنه معاد للسامية كما ادعت جمعية “ايكرا ” اليهودية التي قادت الحرب عليه ونجحت بتقديمه إلى المحاكمة بموجب ذلك القانون بل لأنه اثبت زيف الرواية التي قامت عليها دولة إسرائيل .
من هذا المنطلق فلا غرابة على الإطلاق في أن تواصل السلطات الفرنسية احتجاز المناضل العربي جورج إبراهيم عبد لله منذ العام 1984 في سجونها رغم صدور قرار قضائي فرنسي بإطلاق سراحه منذ العام 2013 بناءا على طلب أمريكي لأن جورج بالنسبة لهم أخطر من جارودي لأنه حاول المواجهة بالممارسة الثورية وليس بالنشاط النظري والفكري فقط , وبالتالي يجب أن يكون مصيره الموت في السجن لكي لا يفكرن أحد بعده بملاحقة الصهاينة وحمايتهم أينما تواجدوا وأينما حلوا .
بناءا على ذلك فانه يمكن القول وبالفم الملآن أنه يوجد سياسة فرنسية رسمية معادية للعرب ومؤيدة بالمطلق للسياسات إسرائيلية , رغم وجود جزء لا يستهان به من الرأي العام الفرنسي ومن مؤسسات المجتمع المدني الفرنسية تؤيد القضية الفلسطينية والقضايا العربية .
وبهذا المعنى فأنني أدرك بان قضية المطالبة بإطلاق سراح جورج عبد الله في هذا الزمن العربي الرديء ليست قضية سهلة لأنها بحاجة إلى ما هو أكثر من تشكيل لجان شعبية عربية , كتلك الموجودة في لبنان , رغم أهمية تلك اللجان .
وقد يكون من المجدي في هذا الصدد مناشدة الرئيس اللبناني المحترم ميشيل عون بتبني قضية جورج ومطالبة الرئيس الفرنسي ” إيمانويل ماكرون” بإطلاق سراحه لأنه لا يوجد أي مسوغ قانوني أو أخلاقي يبرر اعتقاله بعد أن أصدرت محكمة فرنسية أمرا بإطلاق سراحه , ويجب احترام قرارات القضاء .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/23